فى عالم الإدارة، لن تجد أسهل لرسم الآمال نظيراً ولإعلاء سقف الطموحات شبيهاً، يصبح معها اللسان أكثر مرونة فى إطلاقه للعبارات الرنانة من أمثال «سنمضى قُدماً»، و«سيكون لدينا فائض فى كذا»، وغيرها من الوعود الحالمة والتحليلات غير الواقعية، التى لا يجدى معها حسن نية أو صدق عزيمة أو مشاعر وطنية. والمسئول الوزارى أو الحكومى يعلم يقيناً أن ما بين يديه من موارد معرفية وبشرية لا ترقى إلى مستوى طموحاته والشعارات البراقة التى يطلقها لسانه، لتبقى الفجوة فى ازدياد ما بين الواقع والمأمول.
تبقى تلك المصطلحات المطاطية الفولاذية أبعد ما تكون عما يدور فى المؤسسات من فرص وتحديات خارجية وما تحويه من نقاط قوة وتحسين داخلية، ليتم السعى نحو التوقعات والطموحات بموضوعية ومنهجية فى حدها الأدنى. وما يبعث على الدهشة هو تنامى هذه الظاهرة بين من يتصدرون العمل العام ليطلوا علينا كل حين بتصريحات فضفاضة أو بيانات وإحصائيات تفتقر للمصداقية والواقعية، قد تصدقها بعض شرائح المجتمع، لكنها ما تلبث أن يطويها النسيان وتذهب أدراج الوهم والتضليل المجتمعى.
إن إدارة المؤسسات تحتاج إلى إدارة للإرادة، إدارة تستبدل بالتصريحات النارية رؤية مؤسسية تنسدل عنها رسالة واضحة المعالم يمكن تحقيقها من خلال ترجمتها لخطط استراتيجية توظف ما لديها من إمكانيات مادية ورأسمال بشرى.. إدارة تقف على بيانات الأعمال ونسب الإنجاز والجداول الزمنية والقيمة المضافة والمسافة الفاصلة بين ما حققته على أرض الواقع وما تريد تحقيقه بدقة ومصداقية؛ إدارة تروى قصصاً واقعية بنزاهة وشفافية لما تعرضت له من إخفاقات، بل بالاستثمار الأمثل فيما تلقته من دروس الفشل وبراعتها فى إدارة عجلة البناء والقياس والتعلم، لتحقيق نتائج أفضل؛ إدارة تتخلى عن الإعلان عن أرقام مكوكية تكذبها أول زيارة معرفية للمنصة الرقمية Google ينهار بعدها جدار الثقة للأبد بين المسئول الغائب فى الوهم والتنظير وتجاهل واقع الجمهور الأليم.
علينا الاعتراف بأن إرادتنا وعزيمتنا بحاجة لإدارة فاعلة وليست شكلية، تماماً كما فعلت ماليزيا التى وصل نصيب الفرد من إجمالى الدخل القومى فيها إلى نحو 12 ألف دولار عام 2015م بعدما كان لا يتجاوز 240 دولاراً عام 1962م، إدارة تحيل مشروعاً إنسانياً مجتمعياً مثل مركز مجدى يعقوب لعلاج أمراض القلب من طاقة استيعابية لا تتجاوز 300 سرير عام 2009م إلى ما يزيد على 1000 سرير اليوم، وهى ذاتها الإدارة التى حققت من خلالها جامعة القاهرة فائضاً يقدر بـ1.8 مليار جنيه فى غضون 3 سنوات لتحذو حذوها الجامعات، وهى الإدارة التى أخرجت من رحم المجتمعات العربية 65 ألف صانع أمل فى مدة لا تتجاوز 3 أشهر؛ ولنا أن نتخيل لو كان لدينا المؤسسة القومية لصناعة الأمل، كم من الوقت والجهد واللجان والمال سننفقه لتؤتى أثراً هزيلاً.
نحن فى حاجة إلى إدارة صادقة وأمينة ومسئولة تستبدل التصريحات العنترية الاستفزازية، وتعمل بصمت لتصل لأبعد من التميز فى خدمة وسعادة المواطن وإلى استدامة النتائج الباهرة، وتحقيق أثر ملموس.
أيها المتحدثون والمصرحون والقائمون والحاضرون بإرادتكم فى محراب الأقوال ليل نهار، الغائبون بإدارتكم عن الأرقام والأفعال والمصارحة وحقيقة ما يحدث حولنا وعلى مقربة منا، ذاكرة الشعوب نعم ضعيفة، لكن ذكاءها النوعى تدركه كل إدارة تعايش واقع الثورة الصناعية الرابعة وأختها الرقمية الذكية، وتواكبه برؤية وروية ووعى وصلابة، فما عاد شىء ينطلى عليها.
أرجوكم حَوْكِموا ما تقولون وتيقنوا مما تعدون ووثقوا وراجعوا قبل أن تنطقوا، فليس بالإرادة وحدها تتطور المجتمعات وتتحقق المستهدفات، فما أكثر الغايات النبيلة التى تموت على عتبة الوسائل الهزيلة.