يقع دير الأنبا صموئيل على بُعد 35 كيلومتراً من الطريق الصحراوى الغربى الذى يصل بين القاهرة والصعيد، ليس هناك طريق يوصل بين الطريق الصحراوى الغربى ودير الأنبا صموئيل سوى مدق صحراوى صغير تتحرك عليه السيارات ببطء.
كل الأديرة فى مصر تقع فى الصحراء لأن الغرض منها السكينة وخلوّ الرهبان للعبادة والتأمل، رفضت معظم الأديرة من قبل إقامة حراسات شرطية عليها، خوفاً من تضييق هذه الحراسات عليها، أو تدخُّلها فى شأن الداخلين والخارجين، ظلت معظم الأديرة بلا أية حراسات ولم تدخل فى المنظومة الأمنية الشرطية من قبل.
لم تتصور الأديرة أن يحدث لها مكروه أو أن يقصدها أحد بسوء، كما أنها ظلت بمنأى عن أى استهداف سواء جنائى أو سياسى. هذه الحدود طويلة جداً، وتمثل التحدى الاستراتيجى الثانى بعد إغلاق وتدمير كل الأنفاق وعمل منطقة عازلة على الحدود الشرقية، وخاصة بين رفح المصرية ورفح الفلسطينية.
الحدود الليبية المصرية طويلة ويبلغ طولها 1050 كيلومتراً، يمر عبرها قرابة 45 مدقاً صحراوياً شهيراً، ويُعد مدق وادى عقرب ووادى النطرون أشهر مدقات التهريب عبر هذه الحدود، يلجأ من يريد الهروب إلى استخدام الجمال أو سيارات الدفع الرباعى.
الشهر الماضى وحده تم رصد وتدمير أكثر من 300 عربة دفع رباعى اخترقت هذه الحدود بواسطة طائرات الهليكوبتر المصرية.
أشار الرئيس السيسى إلى أنه تم تدمير قرابة ألف سيارة دفع رباعى اخترقت هذه الحدود.
فى الجانب الليبى المقابل هناك مدينة درنة، وهى من أقرب المدن الليبية للحدود المصرية، على أطراف درنة توجد معسكرات لمجموعات مسلحة تابعة لما يسمى «أنصار الشريعة»، وهى الفرع الليبى لتنظيم القاعدة الذى أسسه أسامة بن لادن.
فى شهر مارس الماضى تم الهجوم على كمين شرطة النقب الذى يقع على مدخل الطريق الصحراوى من أسيوط إلى الوادى الجديد، مما يدل على أن مجموعة إرهابية مسلحة بدأت تعمل فى هذه المنطقة الصحراوية، مما يعيد للأذهان ذكرى «الفرافرة 1، الفرافرة 2».
تحوُّل ليبيا إلى دولة مستقرة أسهل من سوريا بكثير، لكن هناك دولاً كثيرة تحول دون ذلك، مصر تريد استقرار ليبيا، ولكن بريطانيا تريد تنفيذ عقود تنقيب عن البترول عقدتها من قبل مع القذافى كشرط لعودة ليبيا كدولة، وإيطاليا تفعل مثل ذلك، وألمانيا تتحرك فى الملعب الليبى نيابة عن إيطاليا وفرنسا، هناك قطر تنقب عن الغاز وتصدره وتخشى من عودة الدولة الليبية التى لن تتركها تصنع ذلك، الملعب الليبى مفتوح للجميع، والكل يسعى لمصلحته.
دير الأنبا صموئيل ملاصق للصحراء الغربية فى حدود مغاغة بالمنيا من الغرب، المدق الصحراوى إلى الدير ليس عليه أية خدمات، لا شبكة اتصالات، ولا إنارة، ولا رصف، لو مات فى هذا المدق العشرات ما سمع بهم أحد، الطريق الصحراوى الغربى للصعيد نفسه مهمل جداً، لا مقارنة بينه وبين طريق مصر إسكندرية الصحراوى.
وقع الحادث فى العاشرة صباحاً، لم يعلم به أحد، ولولا أن سيارة جاءت تزور الدير بعد ساعة فوجدت المذبحة وآثارها ما عرف أحد.
جاءت سيارات الدفع الرباعى من الصحراء الغربية، نفذت المذبحة وعادت للصحراء مرة أخرى، سيارات الدفع الرباعى نادرة لدى أى صعيدى حتى لو كان ثرياً، استخدامها معروف، هى من الصحراء والرمال ثم إليها.
كان الإرهابيون يلبسون أحذية «ميرى» حتى لا «تغرز» أقدامهم فى الصحراء، ظنت «النيويورك تايمز» أنهم يلبسون ملابس عسكرية، لم تدقق فى شىء، كانوا يلبسون ملابس عادية ويغطون وجهوهم «ملثمين»، لكن الأحذية مثل السيارات لزوم الصحراء.
قد يكون أحد الإرهابيين أو بعضهم يعرفون هذه المنطقة والدير، أوقفوا الأوتوبيس الذى يقل الرحلة للكنيسة، قتلوا الرجال، وتركوا معظم الأطفال، ولكن بعضهم أصيب أو قُتل، جربوا الاصطدام بالأهداف الصلبة «الجيش والشرطة»، ففشلوا ومُنوا بخسائر جسيمة، توجهوا إلى الأهداف الرخوة: السياحة، الكنائس، التجمعات المسيحية.
أطلقت «داعش» منذ فترة تهديداً باستهداف التجمعات المسيحية، اهتم المسيحيون بهذا البيان واعتبروه تهديداً جدياً، سيكون على الدولة المصرية أن تمد شبكتها الأمنية من الآن فصاعداً إلى الأديرة والرحلات الكنسية باعتبارها نوعاً من التجمعات، خاصة أنها تكثر فى الصيف والإجازات، التأمين عادة يضايق الآخرين، ولكنه أفضل على كل حال من تكرار مثل هذه الكارثة.
أحسنت الدولة المصرية حينما قصفت معسكراتهم قبل مرور يوم على سفك دماء هؤلاء الأبرياء، من يحمل السيف فليس له إلا السيف، ومن يحمل غصن الزيتون فله الأحضان والأغصان والورود، هكذا جرت السنة فى الحياة والأديان.
هذه أول مرة ينضبط فيها الإعلام المصرى ولا ينشر صور القتلى والجرحى، وخاصة من النساء والأطفال فى الحادث، لأن نشر مثل هذه الصور كان سيضر الوحدة الوطنية المصرية ضرراً بالغاً ويهيج ملايين المسيحيين المصريين فى الداخل والخارج، ويشجع منفذى الهجوم على الشعور بالنجاح وإيلام الدولة والمسيحيين.