ماذا لو قرر القضاء تبرئة الشيخ سالم عبدالجليل من تهمة ازدراء الأديان؟ وما النتائج المترتبة على مثل هذا الحكم لو صدر؟ ولماذا طالبنا بإلغاء هذه التهمة فى مواقف أخرى وأيدنا تحريكها فى هذه القضية؟ لا أقصد على الإطلاق التدخل فى شئون القضاء ولا التأثير على السادة القضاة وأحكامهم أو توجيه سير العدالة، فالإيمان بعدالة القضاء وضمير القضاة لا تشوبه شائبة، وإنما جل ما أقصد هنا البحث عن إجابة لسؤال حول الازدواجية والثنائية فى المواقف.
تبرئة سالم عبدالجليل معناها أنه لم يزدر الدين المسيحى، وربما يراها البعض تعنى أن ما قاله عن المسيحية صحيح وهذا ممكن جداً فى مجتمع تنتشر فيه ثقافة تطرف وتشدد دون علم أو فهم لصحيح الدين، ولنتخيل معاً ما يمكن أن يتداعى عن هذا الفهم، نتذكر جميعاً أن المتهم فى محاولة اغتيال نجيب محفوظ لم يقرأ رواية أولاد حارتنا إنما استمع لإمامه بكفر الرجل، ونعلم جميعاً أن قاتل الشهيد فرج فودة أطلق رصاصاته على الرجل دون علم بما يقول مكتفياً -القاتل- بتنفيذ تعليمات دون تفكير أو روية، لا أستبعد أبداً أن يعتبر البعض حكم المحكمة ببراءة الرجل -لو صدر- تأييداً لما ذهب له من آراء، وأن يعتمد البعض هذا الحكم باعتبار المسيحيين كفاراً، وهو ما يذهب إليه الإرهابيون من داعش وغيرهم، وربما نسهم نحن أيضاً دون أن ندرى فى فعل الخطيئة المشينة ونوسع من دائرة العنف والكراهية، أنا لا أقول إن المحكمة ستبرئه فالله أعلم بما سيوقر فى ضمير القاضى، ومن الممكن أن يدان الرجل حتى نضع حداً لازدراء الأديان، لكن علينا هنا أيضاً أن نقر بصدور مثل هذه أحكام فى حالات أخرى ولا نطالب بإبراء مرتكبيها، فلست أنا أو أنت القضاة حتى نقرر ما يجوز وما لا يجوز.
فى ظنى أن التعامل مع هذه القضايا يتطلب تهيئة ضغوط مجتمعية على مرتكب الخطيئة أكثر من صدور أحكام قضائية بالإدانة أو البراءة والزج بمرتكب الخطيئة فى السجن، لأن تهمة ازدراء الأديان متفاوتة ومتداخلة، وما قد يعتبره البعض ازدراء ربما يراه البعض ليس كذلك، وهكذا نصل بالمجتمع إلى مناطق صراع حتى على أحكام القضاء والقضاة.
ازدراء المجتمع للمسىء للأديان أهم وأقوى تأثيراً من الأحكام القضائية، وإدانة المجتمع لمرتكب هذه الخطيئة وتجريسه بين الناس كفيل بتأكيد تضافر المجتمع وتماسكه وتوحده لحماية الأديان من الاعتداء عليها أو الإساءة لها، نريد مجتمعاً يحمى الأديان بإرادته ويحاصر التطرف والمتطرفين بسلوكياته ومواقفه، تجريس الناس لمن يسىء لأى دين وحصاره هو قطع لشرايين التطرف فى المجتمع وأكثر واقعية وضمانة لحماية المجتمع، فما يصدر عن الناس يحمى الناس.