ما بين انعدام الضمير وانتشار الفساد تتولد الكوارث البشرية في شتى المجالات، فما شهدته محافظة الإسكندرية الأيام الماضية من كارثة ميل برج الأزاريطة مثال صارخ يعبر عن الفساد المستشري الذي كاد أن يضيع حياة المئات لولا عناية الله، والسبب في ذلك يرجع لانفصال المبنى عن التربة بسبب زيادة الأحمال على التربة.
هندسيا قبل الإنشاء يتم أولا عمل دراسة وتحليل للتربة ومتعارف عليها هندسيا بـ"أعمال الجسات"، حيث يتم أخذ عينات من التربة التي سيتم الإنشاء عليها بعمق يزيد على 30 مترا طوليا، ومن كل متر طولي يتم أخذ عينة ويتم دراستها وتحليلها في معمل متخصص بأعمال التربة والجسات للتعرف على خصائص التربة، ومن ثم تحديد النظام الإنشائي المناسب بناء على متطلبات المالك وحسب عدد الأدوار المستهدف إنشاؤها، ويتم أخذ عدة عيات من التربة وفقا لكود البناء المصري، لكن لاحظنا في واقعة الإسكندرية انفصال المبنى عن التربة، ما يعني أن هناك خللا في أساسات المبنى وليس في هيكل المبنى نفسه.
والسبب في هذا الميل، هو عدم دراسة التربة أولا قبل الإنشاء كما هو متعارف عليه ووفقا لكود البناء المصري، وما حدث أن التربة لم تحتمل الحمل الزائد عليها فتفككت، وذلك معناه أنه لم يكن هناك انتقال الأحمال بشكل هندسي، فالمفروض أن يتم انتقال الأحمال للمبنى من الأسقف إلى الأعمد، ومن الأعمدة إلى أساس المبنى، ثم مرحلة انتقال الحمل من أساس المبنى إلى التربة الثابتة في أعماق الأرض، وذلك لأن بطبيعة الحال التربة طبقات.
الهدف من أعمال الجسات هو تحديد مدى عمق التربة الثابتة في باطن الأرض، ومن ثم تصميم المنشأ وأساس المبنى عليه، وحتى يتم انتقال هندسي للأحمال آخذين في الاعتبار وفي التصميم مضادات للزلازل وللرياح.
كارثة برج الأزاريطة أن أساس المبنى بنظام اللبشة المسلحة، وهو ما يخالف طبيعة الأرض، ونظام اللبشة هو أحد أنظمة الأساسات السطحية وهو عبارة عن طبقة من الخرسانة المسلحة على كامل مسطح الأرض وتكون بارتفاع معين حسب التصميم الإنشائي، وكان يجب استخدام نوع الأساسات العميقة، الخوازيق، حتى يتم انتقال الحمل من أساس المبنى للتربة الثابتة، وفي حالة البرج المائل كانت التربة الثابتة على عمق يزيد على 8 أمتار داخل بطن الأرض، لذا كان يجب استخدام نظام "الخوازيق"، لكن انعدام الرقابة من إدارة الحي سبب الكارثة، فتم استخدام نظام اللبشة المسلحة لتوفير فارق تكليف الإنشاء، مما أنتج الكارثة.