السينما تهرب من الفاجعة بـ«شنبو فى المصيدة» وتسترد عافيتها بـ«شىء من الخوف»
لقطة من فيلم «أغنية على الممر»
جاءت قوية موجعة، هزت كل ما حولها، تعددت الأسئلة بحثاً عن إجابات أمام الفاجعة غير المتوقعة، مع تنكيس العلم انحنت الرؤوس، وتبعتها تغيرات اجتماعية عديدة طالت المجتمع المصرى كجزء من إخفاق كبير مرت به البلاد فى ذلك الوقت يتوافق مع «نكسة 67»، التى أثّرت على السينما والفن بشكل واضح باعتبارهما مرآة تعكس حالة المجتمع.
«هروب من الواقع» هو الوصف الذى لجأت إليه مجموعة من النقاد السينمائيين والمؤرخين فى الحديث عن تاريخ السينما المصرية فى ذلك الوقت الذى سيطرت عليه موجة من الأفلام الخفيفة، منها «شنبو فى المصيدة»، «حواء والقرد»، «كيف تسرق مليونيراً»، «حكاية 3 بنات» و«لصوص لكن ظرفاء»، باستثناء فيلم «أبى فوق الشجرة» الذى قام ببطولته العندليب عبدالحليم حافظ وأخرجه حسين كمال، عام 1969، وحقق نجاحاً كبيراً واستمر عرضه 53 أسبوعاً فى دور العرض السينمائى، وهو نفس العام الذى شهد طرح عدد من الأفلام المهمة، منها «شىء من الخوف»، «غروب وشروق» و«يوميات نائب فى الأرياف». وقد يكون «الهروب من الواقع» هو ما دفع الكاتب صلاح جاهين لتقديم فيلم «خلى بالك من زوزو» الذى استمر فى دور العرض عاماً كاملاً، ولكن تعرّض وقتها لكم كبير من الانتقادات.
«نجم وإمام» ينتقدان الهزيمة بـ«خبطنا تحت بطاطنا».. و«الأبنودى» يكتب: «يا بيوت السويس»
لم يتوقف تأثير «النكسة» على السينما فقط، بل امتد إلى كل جوانب الحياة الفنية، فمن رحم المعاناة دائماً يولد الإبداع، فقدم ثنائى «تكدير الأمن العام»، أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، أغنية «الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا» التى تحدثت عن النكسة بشكل واضح وجرىء، وتبعها عدد من الأعمال الأخرى التى أعادت للأغنية السياسية مكانتها منها «بقرة حاحا» و«يعيش أهل بلدى». ويظل الفن هو الشىء الوحيد الذى يضمد الجروح النازفة، عبدالرحمن الأبنودى لم يستطع مواجهة الهزيمة فى القاهرة وسافر إلى السويس، وكتب ديواناً بعنوان «وجوه على الشط»، بالإضافة إلى «جوابات حراجى القط»، وقدم وقتها أغنية «يا بيوت السويس.. أستشهد تحتك وتعيشى إنتى»، وغناها الفنان محمد حمام، وبعد عودته إلى القاهرة غنى عبدالحليم حافظ من كلماته «عدى النهار» التى تُعتبر أيقونة «النكسة»، بالإضافة إلى أغنية «تعيشى يا ضحكة مصر» فى فيلم «أغنية على الممر».
وعلى الجانب الآخر كان هناك المعادل الثانى للثورة، حيث واجهت الساحة الغنائية انكساراً حقيقياً فى مستوى الأعمال أدى إلى فقدان التوازن على هذه الساحة مع ظهور نوع مختلف من الأغانى يوازى تيار الأفلام الهزلية الذى تفشى فى ذلك الوقت، وكان من ضمنها ظهور الفنان الشعبى أحمد عدوية، الذى قالت عنه الدكتورة ياسمين فراج فى كتاب بعنوان «الغناء والسياسة فى تاريخ مصر» إن «أحمد عدوية تجربة غنائية أفرزتها هزيمة 67 وكانت سبباً فى نجاحها، وهذه التجربة كانت تعبّر عن الجانب العبثى خلال تلك الفترة، ولو لم يكن ظهور عدوية فى فترة الهزيمة النفسية للشعب المصرى لما نجحت تجربته الغنائية على الإطلاق، لأن الشعب بجميع طبقاته كان يبحث عن الخروج من الهزيمة النفسية التى نالت منه».
ويقول الناقد السينمائى محمود قاسم إن المناخ السياسى السائد فى تلك الفترة ألقى بظلاله على السينما بشكل واضح، وأدى إلى زيادة موجة «الأفلام الخفيفة» التى بدأها فؤاد المهندس وشويكار قبل «النكسة»، ولكنها زادت على مستوى الكم بعد ذلك، ولم تقتصر على السينما، بل شملت المسلسلات الإذاعية أيضاً التى قدمها أمين الهنيدى وصفاء أبوالسعود، مضيفاً: على الجانب الآخر أفرزت تلك الفترة مجموعة من الأفلام السينمائية المهمة، منها «أغنية على الممر» للمخرج على عبدالخالق، والذى تطرّق إلى النكسة دون الحديث عن أسبابها من خلال 5 جنود محتجزين فى ممر جبلى أثناء حرب 67، و«القضية 68» للمخرج صلاح أبوسيف، بالإضافة إلى فيلم «العصفور» للمخرج يوسف شاهين الذى تطرق إلى خطاب تنحى جمال عبدالناصر بعد الهزيمة، بخلاف أفلام انتقدت النظام فى ذلك الوقت منها «ميرامار» الذى أخرجه كمال الشيخ. ويوضح «قاسم» لـ«الوطن»: لنكون منصفين علينا القول إن موجة الأفلام الخفيفة كانت موجودة قبل النكسة، ولذلك لا تُعتبر نتيجة لها، ولكنها زادت وظهرت بشكل كبير مع تلك الأحداث، رغم أن تلك الفترة شهدت إنتاج مجموعة مهمة من كلاسيكيات السينما المصرية، منها «شىء من الخوف» إخراج حسين كمال، و«الأرض» للمخرج يوسف شاهين، و«البوسطجى»، و«يوميات نائب فى الأرياف» و«قنديل أم هاشم». ويرى المؤرخ الدكتور زين نصار أن الفن، خصوصاً الغناء، كان أول رد فعل فورى على الهزيمة، وخلال تلك الفترة حتى نصر أكتوبر 1973 تم تقديم مجموعة كبيرة من الأغانى الحماسية منها «راجعين بقوة السلاح» كلمات صلاح جاهين، و«سكت الكلام والبندقية اتكلمت» و«الدرس انتهى».