محمد الشهاوى: أول شهداء النصر كان مسيحياً.. والوطنية لا تعرف ديناً
اللواء محمد الشهاوى
أوضح اللواء محمد الشهاوى، رئيس أركان «الحرب الكيماوية» الأسبق، مستشار كلية القادة والأركان، أن الجيش المصرى ليس جديداً عليه أن يتعامل بحكمة ورجاحة عقل ويحول كل لحظة انكسار إلى انتصارات، وأن يصنع من حبال التراجع سلالم التقدم التى صعد بها على الجبهة ليعلن: «الله أكبر»، ويرفع رايات النصر. وأضاف، فى حواره مع «الوطن»، أن ملحمة الجيش المصرى بدأها جنود مصر منذ زوسر، وتكوين أول جيش مصرى نظامى عرفه العالم كان فى الأسرة الثالثة فى عام 2696 وحتى الآن، ليسطر تاريخاً مشرفاً من البطولات المستمرة، ويساهم دوماً فى إرساء مفاهيم السلام والتنمية بعد النصر.. وإلى نص الحوار.
رئيس «الحرب الكيماوية» الأسبق: جيشنا ملحمة من الوطنية والوحدة
■ كيف استطاع الجيش المصرى أن يحول لحظة انكساره إلى انتصار؟
- قام الجيش ونهض، وتحول من 80% «مدمر» ومعداته مدمرة إلى كسر وتحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلى فى 6 ساعات واستطاع أن يكون الجيش رقم 10 على مستوى العالم، ولكن كل هذا لم يأت من فراغ، وإنما كان وراءه إصرار عظيم من الجندى البطل، وهذا الانتصار وسام على صدر ليس كل مصرى بل كل عربى.
■ صف لنا من خلال ذاكرة الحرب كيف كانت اللحظات الأولى فى ساعة الصفر والانطلاق؟
- الطريق للوصول إلى أى هدف ناجح هو التخطيط الجيد، وهو ما تجلى بوضوح فى ما سبق الحرب، وهو مرحلة التخطيط المتميز والذكى والمتكامل لهذه الحرب واختيار ساعة الصفر، وهى الساعة الثانية فى العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر، وبالرغم من وجود العديد من الصعوبات فقد تم التغلب عليها، حيث تشابكت وتضافرت جهود كافة القوات، والتى كان من أهمها دور الحرب الكيماوية فى حرب أكتوبر وخطة التغلب على المانع الحارق الذى كان أشبه بالفزاعة التى تصدرها إسرائيل إلا أننا جيش لا يعرف المستحيل.
مقاتلو العاشر من رمضان يروون ذكريات الهزيمة والانتصار
■ هل يمكن أن نركز على دور سلاح الحرب الكيماوية وتأثيره على التحول لنقطة نجاح فى حرب 6 أكتوبر والعاشر من رمضان؟
- كان له دور كبير جداً فى الحرب، حيث استطعنا أن نتعامل مع النابالم ونوقفه ويتحول هذا الخوف إلى انتصار بعزل ذلك المانع الحارق، العملية التى لولاها لما عبرت جنودنا وقواتنا ومعداتنا إلى الضفة الشرقية، حيث اقتحمت قناة السويس مع الموجات الأولى للاقتحام واستطاعت أن تدمر الموانع الأولى وأيضا تقوم «بتعمية» نقاط العدو ومقذوفاته المضادة للدبابات باستخدام صواريخ الدبابات، وإخفاء أعمال قواتنا قبل العبور باستخدام مولدات الدخان وإخفاء المعابر باستخدام سحب وستائر الدخان، واستطاعت القوات الكيماوية العمل تحت ظروف استخدام العدو أسلحة الدمار الشامل، بمعنى أن لو العدو استخدم الغازات قواتنا لديها أسلحة وأقنعة للوقاية تمكّنها من تنفيذ مهامها للتطهير والقيام بالمهمة بنجاح، كما أن سلاح الحرب الكيماوية استطاع أن يخترع مادة ضد الحريق لمعالجة ملابس الجنود قبل عبور قناة السويس، وتمت تغطية القوارب المطاطية بها قبل العبور حتى لا تتأثر بالنيران، وهى اختراع مصرى استطعنا أن نتوصل إليه قبل الحرب.
■ كونها المرة الأولى التى يجتمع فيها يوما الانتصار والهزيمة فى وقت واحد، كيف ترى الأمور بعد مرور 50 عاماً على النكسة و44 عاماً على الانتصار؟
- جيل النكسة عام 1967 وما تلاها من حرب استنزاف ثم تحقيق النصر فى العاشر من رمضان- أكتوبر 1973 يعرف أن الغاية المنشودة كانت الحصول على أرضنا، حيث إن تحرير سيناء استلزم منا ليس فقط النواحى العسكرية، رغم أنها النقطة الفاصلة والأساسية التى استندت عليها كل الخطوات التالية، إلا أن تحرير الأرض بدأ من مرحلة الإعداد والتجهيز والانتصار فى عام 1973، ثم تبعتها المرحلة الثانية والتى كان أساسها المفاوضات لاسترداد سيناء إلى أن تم الحصول عليها فى 25 أبريل 1982، ومن بعدها بالتحكيم، فنحن استخدمنا كل الطرق للحصول على أرضنا، وهو ما يعكس رسالة أن الجيش المصرى لم ولن يفرط فى أى شبر من تراب هذا الوطن، وحرب أكتوبر 1973 شهدت وجسّدت النسيج الوطنى لهذا الشعب.
■ وما أبرز اللحظات التى تتذكرها عن الحرب، خاصة أنك كنت أحد أبطال سلاح الحرب الكيماوية؟
- أول من استشهد من سلاحى هو العميد شفيق مترى سيدراك المصرى القبطى، مما يدل على قوة النسيج الوطنى ويعكس مدى وطنية كل مصرى فى الحفاظ على تراب هذا الوطن، وهو من أوائل شهداء حرب أكتوبر 1973 التى لم تكن فقط ملحمة بل سيمفونية متناغمة لتنفيذ هذا الانتصار ابتداء من ضربة الطيران، حيث عبرت 220 طائرة حربية القناة، وانطلقت من 24 مطاراً فى توقيت واحد الساعة 2 وخمس دقائق لتصيب أهدافها فى قلب قوات العدو ومناطق حشد القوات وارتكازات الدفاع الجوى والطيران، ثم بعد ذلك تم إطلاق 121 ألف قذيفة من خلال ألفى مدفع كوابل من السيول النيرانية التى أطلقها الجيش المصرى على العدو فى لحظة واحدة أفقدته تركيزه وصوابه بمعدل 175 قذيفة فى الثانية الواحدة، وبالتالى التاريخ يقول إن شهداء مصر عبر العصور هم الذين كتبوا بدمائهم تاريخ مصر الحضارة وأبقوا على كل حبة رمل من أرضها وأمّنوا حدودها وتصدوا لأعدائها فبقيت مصر آمنة منتصرة عبر القرون وإن الجيش المصرى تفوّق على إسرائيل بالإرادة والروح المعنوية والقيادة الحكيمة.
■ وكيف ترى اختيار الرئيس الراحل أنور السادات توقيت 5 يونيو 1975 لإصدار قرار عودة الملاحة إلى قناة السويس وما تضمّنه من رسالة سلام للعالم؟
- هو أراد أن يحول ذكرى الهزيمة إلى ذكرى سلام انطلاقاً من النصر والوقوف على أرض صلبة، وتلك أول بذور التنمية، فلولا انتصار الجيش المصرى العظيم فى عام 1973 ما كان تم افتتاح القناة فى 1975 ولما قمنا باسترداد سيناء فى 25 أبريل 1982 ومن بعدها استعادة طابا 18 مارس 1989، وبالتالى نقول إن من حق المصريين أن يفخروا بقواتهم المسلحة الوطنية.