مع تصاعد العمليات الإرهابية على الصعيدين الوطنى والدولى، بات واضحاً أن المجتمع الدولى سيعانى فى الأيام المقبلة من تنامى العمليات الإرهابية، التى تقوم بها «الذئاب المنفردة»، كما اصطلح على تسمية الخلايا المنتشرة والموجودة فى كثير من البلدان، لا سيما بعد تضييق الخناق على تنظيم الدولة الإسلامية فى كل من سوريا والعراق، وانتشار عناصر «التنظيم» فى بقاع الأرض، مع التركيز على بعض البلدان، ففى فرنسا وإنجلترا، توالت عمليات لأفراد ينتمون بالجنسية إلى هذه البلدان، وأغلبهم ليس له سجل جنائى، أى غير خاضعين للمراقبة أو المتابعة، فيتمتّعون بحرية واسعة فى العمل وتحديد الأهداف وتنفيذ العمليات.
فى مصر، أصبح واضحاً أن هناك تعليمات لتركيز العمليات على نطاق واسع، ليس فقط فى سيناء، لكنّ هناك تمدّداً واضحاً للعمل فى أكثر من جهة، فانتقلت العمليات إلى القاهرة والمنيا والصعيد، كما أن التركيز على أهداف لا تتمتع بحماية أمنية، مثل العملية الأخيرة، التى استهدفت ديراً فى عمق الصحراء، ومحاولة خلخلة الوضع الداخلى باستهداف المسيحيين، وهذا واضح من العمليات المتتالية التى استهدفت الكنائس، وبلغ ضحايا هذه العمليات أكثر من 100 مواطن مصرى، أغلبهم من المسيحيين، كما أن ما أُعلن على لسان مسئولين أمنيين من وجود معسكرات للتدريب فى ليبيا يُشكّل خطورة شديدة على إمكانية اتساع العمليات، الأمر الذى يشبه السيناريو السورى، فقد انطلقت العمليات فى سوريا بدعم دول وحكومات وأجهزة مخابرات انطلقت من الحدود التركية مع إمداد لوجيستى عسكرى تمدد بسرعة فى مناطق سورية، انتهت باحتلال مساحات واسعة انتهت بتهجير قطاعات واسعة من الشعب السورى، وأصبحت هذه المناطق ملاذاً آمناً لكل مجموعات المرتزقة من كل فج، ومن جنسيات متعددة، بلغت تقديراتها 30 جنسية.
وشكّل التمويل السخى مصدراً للتجنيد لعناصر، وإمداد بأسلحة نوعية أرهقت القوات الرسمية، الأمر فى مصر فى الحقيقة يكشف عن أن المحاولات الآن تتركز على ثلاثة محاور، الأول: محور سيناء، والمحور الثانى: الصحراء الغربية، وانطلاقاً من الداخل الليبى، ومن خلال خط حدود يمتد ألفاً ومائتى كيلومتر، وفى دروب وعرة تستطيع أن تصل إلى كل المحافظات المصرية، المحور الثالث: الحدود المصرية - السودانية، وهى تستخدم نفس استراتيجية التنظيم فى سوريا والعراق، أى مجموعات مسلحة أسلحة ثقيلة ومدربة تسعى إلى تنفيذ عملياتها، وإرهاق القوات النظامية الرسمية فى منطقة تمتد لأكثر من ثلثى مساحة الجمهورية، وهى المساحة الممتدة من الحدود الليبية، حتى نهر النيل، وإلى الحدود المصرية - السودانية.
فالحقيقة أن الدولة المصرية تواجه معركة مهمة مع الإرهاب تتطلب تنسيقاً دولياً أولاً، لمواجهة التمويل السخى من دول فى المنطقة ليس فقط بالمال، وإنما أيضاً بإرسال أسلحة ومعدات نوعية تشكل تهديداً لأى قوى نظامية، وثانياً: توفير آليات ومعسكرات للتجنيد والتدريب فى دولة ثالثة، لنقلهم إلى الداخل المصرى، وهنا المعلومات المتاحة تؤكد وجود هذه المعسكرات فى الداخل الليبى، لذلك قامت القوات المسلحة المصرية بعملية ضد معسكر درنة فى ليبيا، والمهم فى هذه العملية هو القبض على بعض العناصر، التى سوف توفر معلومات مهمة حول الأساليب المستخدَمة فى التجنيد وخطوط السير للوصول إلى الأهداف داخل مصر، لكن المهم أيضاً هو توثيق المعلومات عن الدول المتورّطة فى تقديم هذا الدعم والتمويل والمعلومات الاستخبارية.
لا مناص من المواجهة، ووضع الدول أمام مسئوليتها، وحساب من يثبت تورطه فى دعم الإرهاب، حتى لو قيل إنها معارضة سياسية، أو إنها تتمسّح بمسوح سياسية، فهل آن الأوان للمجتمع الدولى أن يتحمّل المسئولية، ويواجه الدول الداعمة للإرهاب، كى تحاسَب على الدماء البريئة التى تُسال، والأوطان التى تتفتت، والشعوب التى تتحول إلى لاجئين.