فى تقديرى الشخصى أن كلمات الشعراء، التى تعيش ونتناقلها من جيل لآخر ويتفاعل معها الملحنون فيحولونها لقطع موسيقية يشدو بها المطربون والمطربات، وقد تتحول القصائد منها إلى جزء من المناهج الدراسية للغة العربية يتعلم منها الطلاب معانى الكلمات والنحو والصرف وبحور الشعر والوزن والقافية للغة الضاد، هى جزء من مشاعرنا وانفعالاتنا وملامح السعادة أو الحزن التى تكسو وجوهنا فى مختلف المناسبات، والجميل فى كل هذا أن المرء منا قد يصادف بين تلك الكلمات والألحان ما يشعر أمامه أنه يحكى واقعه وحياته، فيتعلق بما يسمع وتظل الأغنية أيقونته المفضلة، وقد يتطور الأمر إلى أكثر من ذلك إن كان للمستمع مستوى ثقافى معين يرتقى به من الإحساس بنفسه فقط إلى الشعور الأسمى والأرقى بالعالم والإنسانية والوطن وكل ما يدور حوله من أحداث.
ومن هنا فعندما استمعت إلى الساحرة أنغام تقول فى إحدى أغنياتها (أنا ساندة عليك) التى كتب كلماتها أمير طعيمة ولحنها عزيز الشافعى، خاصة فى المقطع الذى يقول (لو يوم الدنيا بتيجى عليا أنا باتحامى فيك) وفى نهاية الأغنية (لقيت ياحبيبى فى حبك ضهر وقلب وبيت) أحسست أنها تخاطبنا جميعاً وتمس مشاعرنا التى سيطر عليها منذ فترة الخوف من فقدان الأمان والسند والبيت الكبير (الوطن). ففى هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الشعوب العربية بل والعالم كله أصبح البحث عن السند هو الأمل للجميع.
والسند لمن لا يدرك أهميته هو ذلك الاسم الذى كان يعتبره أجدادنا أهم ما فى الحياة ومحورها الذى تدور من حوله كل تفاصيلها الصغيرة الدقيقة، فكان الرجل دائماً فى حياة المرأة هو السند، سواء كان الأب أو الزوج أو الابن، عندما يتقدم بها العمر، وكان فقده يعنى انهيار عمود البيت وكل الحياة، ولعل ذلك الاعتقاد كان وراء حب المصريين للذكور من الأبناء، فمن بين العادات المصرية القديمة أن من ينجب الصبى لا يموت، فاسمه يظل يتردد ويورث من جيل لآخر، وكانت المرأة تتباهى بأشقائها الذكور، فهم من صلب والدها ورابطة الدم والأصل الواحد تجمعهم، وهم أيضاً عزوتها وسندها أمام أسرة الزوج، واللغة العربية غنية بالتعريفات والمرادفات التى توضح هذا المعنى الإنسانى الجميل، ففى القاموس الفريد الفعل سنّد ومصدره يسند تسنيداً، وسند الشىء يعنى وثقه ودعمه وجعل له عماداً يرتكز عليه، وجمع السند أسناد، وهو كل ما يعتمد عليه من حائط وغيره، أما فى عالم الاقتصاد فإن السند ورقة مالية مثبتة لقرض حاصل وله فائدة ثابتة، وفى الحديث الشريف يقولون حديث له سند، بمعنى الرجال المحدثون الراوون له، أما فى عالم الجغرافيا فإن هناك مكاناً يقع فى الجزء الشمالى الغربى من الهند يتوسطه حوض نهر (السند) وأغلبه يقع فى الحدود الباكستانية.
ولأننا نعيش فى مرحلة الثورات والانقلابات والاعتقالات والمجاعات والتهجير والأوبئة و.. و.. إلخ، فإن لدينا فى العالم العشرات بل المئات من المنظمات الرسمية والأهلية التى تقوم بمهمة السند للبشرية المعذبة، منها من يملك الشرعية الدولية كتلك التابعة للأمم المتحدة أو لجامعة الدول العربية، كما يوجد نوع آخر يمكن القول إنه معادٍ للأنظمة الحاكمة فى دوله، ولكنه يعمل كسند للمواطنين، وهناك المنظمات الدولية غير الحكومية، التى نلاحظ أن المهن الإنسانية ورجال الدين والأعمال والأثرياء أيضاً يحاولون لعب دور بارز من خلالها، مثل الأطباء والمهندسين والمعلمين والصحفيين، حيث يتسابقون على إنشاء تلك الكيانات وتمويلها من خلال النقابات الخاصة بهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر منظمة الإغاثة الإسلامية ومنظمة التضامن الدولى واللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الأولمبية الدولية والاتحاد الدولى لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر والصندوق العالمى للطبيعة (وهى منظمة تدافع عن البيئة) ومنظمة أوكسفام، التى تعمل من خلال لجنة أوكسفورد للإغاثة من المجاعة، وأطباء بلا حدود للمساعدات الدولية الإنسانية وأطباء عبر القارات، التى تضم أطباء متطوعين لمساعدة المحتاجين والمرضى فى الدول الفقيرة وعند الكوارث، ومنظمة لإغاثة الأطفال الذين يعيشون بلا مسكن أو أهل وقرى الأطفال «إس أو إس» ووكالة المساعدة فى التعاون التقنى والتنمية والصندوق العالمى للطبيعة، وفى عالم السياسة فإن الدول الصغيرة ذات القدرات المحدودة تبحث لنفسها عن سند يقويها ويدعمها ويمنحها صك الحياة وسط العالم، فنجدها تمنح الامتيازات لمن يستطيع لعب هذا الدور، ومن هنا أقيمت القواعد العسكرية ودخلت الشركات العالمية الغنية تلك الدول للبحث عن الثروات الطبيعية التى وهبها الله لها، ولا تتمكن من استغلالها فقراً أو جهلاً أو ضعفاً، فكل هذه الصور التى نراها هى فى الحقيقة للبحث عن السند.
ومن بين الكلمات الجميلة التى يرددها الناس وقت الدعاء (يا رب أنت فرحى وأنت أنسى وعندما يتركنى الجميع ستكون أنت معى حتى فى قبرى أنت سندى وملاذى ووجهتى وفى يديك مفتاح أمرى).