تحل الذكرى الخمسون لحرب عام 1967 (حرب الأيام الستة) التى احتلت بموجبها إسرائيل باقى الأراضى الفلسطينية فى الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية فى الخامس من يونيو عام 67، ولا يزال الجدل فى مسألة انتصار أى من الطرفين المتنازعين مستمراً، فالمرحلة الأولى من الحرب، التى بدأت بهجوم إسرائيلى على سلاح الجو المصرى، وانتهت باحتلال شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة تلخصت بانتصار عسكرى زائف لإسرائيل ينقصه الأمن والاستقرار الذى يشكل أهم دعائم الدولة المستقرة.
ويظل السؤال مفتوحاً: إذا لم تكن المرحلة الثانية التى لا تنتهى من الاحتلال ومحادثات السلام الفاشلة والاستيطان فى الضفة الغربية ستؤدى إلى هزيمة إسرائيل فى نهاية المطاف أو على الأقل تحقيق مبدأ حل الدولتين الذى يطالب به المجتمع الدولى منذ مدة فما العمل؟
45 عاماً والمستوطنات تضرب جذورها عميقاً فى الضفة الغربية، تعرقل نشوء دولة فلسطينية قابلة للحياة، وتوقف قطار المفاوضات من حين لآخر لتعود إلى نقطة الصفر، فإسرائيل لا تريد السلام بل تمعن فى البناء الاستيطانى وتكرس ليهودية الدولة كلما سنحت لها الفرصة.
ربما لن يكون بمقدور الفلسطينيين الذين لا يملكون أدوات القوة العسكرية سوى الانتظار، والبحث عن المزيد من المؤيدين والمتعاطفين مع قضيتهم عالمياً ودولياً وإقليمياً، وربما يجدون طريقاً آخر لمقارعة إسرائيل ومكافحتها بعد أن فهموا أنه لا يمكنهم أن يهزموا إسرائيل على المستوى العسكرى، لكن يمكنهم أن ينتظروا إلى أن تهزم إسرائيل نفسها فى المستقبل بحكم عدم التكافؤ الديموغرافى، فعدد الفلسطينيين الذين يرزحون تحت حكم وسيطرة إسرائيل (عرب 48) سيكون مساوياً لعدد اليهود، وعندها سيطالب الفلسطينيون ببساطة بالحق فى التصويت إلى أن تجد إسرائيل نفسها محاصرة بالأكثرية الفلسطينية وتنقلب المعادلة التى لم تستطع الطرق السياسية ولا الدبلوماسية حلها حتى الآن، غير أن المراهنة على هذا الأمر لا تبدو واقعية.
إسرائيل لا تتدخر جهداً فى بناء المزيد من المستوطنات ومحاولة السيطرة على أكبر قدر من الأراضى الفلسطينية لتغيير ملامح المدن والقرى الفلسطينية ومحو الهوية العربية منها، تمهيداً لتهويدها بالكامل، باستثناء قطاع غزة الذى قامت بإخلائه عام 2005، وعندما يكون الحديث عن المستوطات فإن إسرائيل تصم آذانها عن الإدانات الدولية وتتجاهل القرارات الأممية وتنشط أكثر فى تشييد المستوطنات، وقد حاول المتطرفون فى إسرائيل سن قانون يعطى الحق لشرعنة المستوطنات الذى عرف باسم «قانون التسوية» الذى رفضه نتنياهو ويراد منه إضفاء الشرعية على كل المبانى الاستيطانية المقامة على الأراضى الفلسطينية، وبالتالى الالتفاف على قرارات المحكمة العليا فى إسرائيل التى تقرر من حين لآخر إخلاء مستوطنات أقيمت على أراض فلسطينية بطرق غير شرعية ورفضه لم يكن حباً فى الفلسطينيين ولكن لأن قانوناً كهذا من شأنه أن يعرض إسرائيل إلى دعاوى قانونية أمام المحكمة الجنائية الدولية فى لاهاى، التى تعتبر الاستيطان جريمة حرب، فضلاً عن الأضرار البالغة بسمعة إسرائيل وديمقراطيتها.
لقد قضت المستوطنات الإسرائيلية على حل الدولتين، غير أن انهيار حل الدولتين لا يعنى القبول بحل الدولة الواحدة، فالفلسطينيون يقعون تحت وطأة نظام فصل عنصرى شبيه بنظام الفصل العنصرى «الأبرتهايد» الذى عانت منه جنوب أفريقيا سنوات طويلة.
بعد خمسين عاماً من الاحتلال بات المشهد على نحو بائس: القدس محاطة بالجدار ومعزولة تماماً عن باقى الأراضى المحتلة ومليئة بالمستوطنات، والخليل مقسمة إلى قسمين، قسم تنمو فيه التجمعات الاستيطانية، والأغوار التى تشكل 28% من مساحة الضفة الغربية مغلقة أمام الفلسطينيين، وقطاع غزة محاصر ومعزول ويعانى الانقسام والصراع بينما الضفة الغربية مقسمة إلى مناطق أ، ب، ج، وإسرائيل تسيطر على الماء والسماء والأرض.
تبدد حل الدولتين وإسرائيل تعمل على تقسيم الضفة الغربية إلى دولتين، واحدة للمستوطنين والثانية للفلسطينيين بعد انفصال قطاع غزة بانقسام لا يبدو له نهاية فى المدى المنظور، فالبوصلة الفلسطينية تائهة بين الصراعات الأيديولوجية والعقائدية والسياسية، حتى إن الأمل المعقود على الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى صرح أكثر من مرة بأن حل الصراع الفلسطينى - الإسرائيلى سيكون فى عهده مجرد مسكنات وصفها سابقوه ولكن بأشكال مختلفة، فبدأت بوادر هذا الحل بعد زيارة ترامب لحائط البراق خلال زيارته لإسرائيل وحديثه عن أهمية القدس بالنسبة لليهود وارتباطهم التاريخى بها، وهو مؤشر لا يتماشى مع تصريحات الرئيس الأمريكى الطامحة لـ«اتفاق يوافق عليه الطرفان» حتى لو كان مصحوباً بتنازلات مؤلمة وصعبة! فالاتفاق سيكون من طرف واحد يفرضه على الطرف الآخر، وهكذا سيظل الفلسطينيون مشتتين يصارعون فى الدائرة المفرغة. خمسون عاماً من الانتظار ولا يبدو أفق للسلام، فطريقه مسدود رغم الحراك الذى يبذله الرئيس محمود عباس أملاً فى استقطاب حلفاء جدد وتسويات بعيدة عن التنازلات المؤلمة التى تحدث عنها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، ويترجمها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بأفعال تقضى على أى فرص للسلام العادل.