(١) فى أكتوبر/ نوفمبر عام ٢٠٠٦، فوجئنا بطلاب الإخوان فى جامعة الأزهر يقومون بعرض شبه عسكرى داخل الجامعة.. ولم أكن أدرى تحديداً من الذى أصدر تعليماته إلى هؤلاء الطلاب بعمل مثل هذا العرض الذى أطلقت عليه وسائل الإعلام «ميليشيات» طلاب جامعة الأزهر؟ لكن من المؤكد أن المسئول عن ذلك هو قسم طلاب الجماعة مع مكتب إدارى شرق (شرق القاهرة)، وهو إن دل على شىء فإنما يدل على السذاجة والسطحية التى كان يدير بها هؤلاء المسئولون قسم الطلاب فى الجامعات المصرية.. وأعتقد أن هذا العرض لم يؤخذ فيه رأى المشرف على قسم الطلاب فى ذلك الوقت، وهو الدكتور رشاد البيومى، عضو مكتب الإرشاد.. كما أعتقد أن طلاب الإخوان كانوا مخترقين من قبل آخرين، ربما تابعون للجماعة الإسلامية أو السلفية الجهادية، وهؤلاء هم الذين أوعزوا إليهم أو بالأحرى استدرجوهم للعرض المذكور.. فى هذا العرض ارتدى طلاب الإخوان زياً أسود، كما وضعوا على رؤوسهم أقنعة سوداء أيضاً كُتب عليها لفظ «صامدون»، على نفس النمط الذى يميز أفراد عز الدين القسام، الجناح العسكرى لحماس فى غزة.. وقد استعرض الطلاب بعض فنون الاشتباك التى نراها عادة من الجنود أثناء العروض العسكرية.. ومن المضحك أن الطلاب اتصلوا بمحررين من صحيفة «المصرى اليوم» لتغطية الحدث.. وفى صباح اليوم التالى صدرت الصحيفة وفى صدر صفحتها الأولى صورة الطلاب وهم يقدمون عرضهم، وفوق الصورة «مانشيتات» حمراء مثيرة.
(٢) فى تصورى، يرجع سبب هذا العرض إلى ما تعرض له طلاب الإخوان قبل هذا التاريخ بشهر تقريباً فى جامعة عين شمس (تحديداً بمبنى كلية التجارة) عندما أرادوا إقامة احتفال لاتحاد الطلاب «الموازى» (كبديل لاتحاد الطلاب العادى الذى جاء نتيجة التزوير)، إذ فوجئوا بمجموعات من البلطجية التابعين للحزب الوطنى والأمن، تهجم عليهم «بالسنج» و«المطاوى» وأحدثوا فيهم إصابات شديدة.. وقد تسربت أنباء -ربما عن عمد- لطلاب جامعة الأزهر أنهم سيتعرضون لهجوم من هذا النوع، فأرادوا إيهام الأجهزة الأمنية والبلطجية أنهم قادرون على صد هذا الهجوم والتعامل معه بما يليق.. فى مقاله بمجلة (المختار الإسلامى، ١٩ يناير ٢٠٠٧، ص: ٣٩)، قال الكاتب الصحفى ضياء رشوان: «فإذا كان الاستعراض الذى قام به طلاب الإخوان، قد مثل لكل من أدانوه أو اعتذروا عنه، مؤشراً خطراً لما يمكن أن يحدث فى المستقبل من عنف محتمل فى الجامعات المصرية، وربما فى المجتمع كله، فلا شك أن نفس تلك الجامعات وهذا المجتمع، يشهدون يومياً ومنذ سنوات طويلة مظاهر لا حصر لها لعنف يقع بالفعل وليس مجرد احتمال يخشى منه. ولعل الصور الصحفية والمشاهد التليفزيونية التى تسجل صور ذلك العنف المتنامى فى الجامعات بما فيها عنف «البلطجة» فى جامعة عين شمس، وعنف قوات الأمن المدججة بالسلاح ضد أى تحرك طلابى سلمى للاحتجاج فى حرم الجامعات وحولها، فضلاً عن المظاهر الأخطر للعنف المجتمعى المتسع حسب جميع التقارير الأمنية والدراسات المتخصصة والملاحظات العينية المباشرة لكل المصريين، تشير كلها إلى الحجم الأكبر والمدى الأخطر الذى باتت قضية العنف الاجتماعى العام تمثله».
(٣) فى ذلك اليوم، اتصلت معظم الصحف ووكالات الأنباء بالمرشد «عاكف» وبى، لاستطلاع رأيينا فيما هو منشور.. كان تعليق «عاكف» -دون أن يتحقق أو حتى يسأل عن الموضوع- إنه عرض رياضى (!)، وفى حواره الذى نشرته له نفس المجلة فيما بعد (المرجع السابق، ص: ١٧)، قال: «بداية.. ما وقع لم يكن عرضاً عسكرياً، بل مجرد أداء رياضى تم تضخيمه من قبل أجهزة مغرضة أمنية وإعلامية، لتشويه صورة الجماعة وللنيل من نبل رسالتها وسلمية دعوتها، بصرف النظر عن كون ما حدث خطأ، والطلاب قدموا اعتذاراً عنه، حيث إن هذا كله لم يؤثر من قريب أو بعيد على أصحاب العقول المتابعين لحركة الإخوان ومسيرتهم الإصلاحية الدعوية التى ترتكز على الدعوة بالحسنى والنصح الهادئ والانتقاد البناء».. وكان ردى: ليس لدىَّ علم بالموضوع، وأحب قبل الإجابة عن السؤال أن أجمع معلومات عنه من مصادره، وأن أتأكد أن الصورة المنشورة صحيحة وليست مفبركة؟ لكن ظل السؤال المهم، وهو لماذا ارتدى طلاب الأزهر هذا الزى بالذات، دون تفسير؟!
(٤) وقد اتصل بى الأستاذ فهمى هويدى لمعرفة الحقيقة، وحذر من تبعات ما هو منشور، وأنه لا بد من إصدار بيان واضح ومحدد حول الموضوع، وفى حالة ما إذا كان صحيحاً، يجب أن يقدم اعتذار للجامعة وللشعب المصرى، وأن يحاسب من أصدر تلك التعليمات.. أخطرت «عاكف» بهذا الاتصال، وحاولت قدر جهدى دفعه للتحقيق فى هذا الأمر لمعرفة هذا المسئول، أو على الأقل لإلقاء الضوء على الظروف التى أحاطت بالموضوع.. لكن، كما يقول الشاعر: قد أسمعت إذ ناديت حياً.. ولكن لا حياة لمن تنادى.. المهم -وكالعادة- لم يحدث شىء من هذا كله، ومضى الأمر دون أن يساءل أحد وعن دور هذا المسئول أو ذاك (!) هكذا كانت جل أمورنا داخل الجماعة.. لا أحد يحاسب أحداً، خاصة إذا كان مسئولاً ولو من القيادات الوسيطة، ويتم ترحيل المشكلة إلى أجل غير مسمى إلى أن تنسى تماماً، وهكذا تتراكم الأخطاء والخطايا، ولا أحد يتعلم أو يتعظ.. أما إذا صدر الخطأ من فرد هنا أو هناك، «فيا ويله وسواد ليله».. تنصب له الجلسات والمحاكمات، وعادة ما ينتهى الأمر إلى توقيع عقوبات، قد تكون شديدة أو بسيطة حسب مقتضى الحال.. بالطبع كانت فرصة ثمينة لنظام الحكم والإعلام أن يطنطنوا بها، وأن الإخوان يمتلكون ميليشيات مسلحة، وتناسوا أن الجماعة بكل مؤسساتها وقياداتها وأفرادها متابعون متابعة دقيقة من قبل جهاز مباحث أمن الدولة، وأن كل اجتماعاتها ولقاءاتها مرصودة ومراقبة، وهناك عشرات، بل مئات من الاجتماعات تم ضبطها وألقى القبض على كل من فيها.. ومنذ ذلك الحين ظل موضوع «ميليشيات» طلاب جامعة الأزهر يطل برأسه بين الحين والآخر، بل يتم استدعاؤه فى كل المناسبات حتى وقتنا هذا.. (وللحديث بقية إن شاء الله).