هل تابعت هذا العام إعلانات التبرعات على القنوات المصرية؟نراها في الفاصل الإعلاني في كل القنوات، يتأفف البعض من طول فترة الإعلانات، وأخرون يتعاطفون مع الحالات المأساوية، يذهب آخرون إلى التبرع الآني للمؤسسات والمستشفيات لسرعة إنقاذ الحالات المتضررة. وهناك أيضا من يتوجهون ببعض النداءات الضعيفة بتحويل الأموال المصروفة على الإعلانات رأسا إلى هذه الحالات، وهناك على العكس من يريدون زيادة حجم الإعلانات لتشمل كافة المؤسسات الخيرية لتكون فرصة لتعريف الناس بهذه المؤسسات ولزيادة حجم التبرعات لها لكي تتحقق من تحقيق أهدافها التي تندرج بشكل عام تحت خط "مكافحة الفقر".
في كل رمضان اتساءل هل هذه الإعلانات، وهذا الكم الضخم من التبرعات كافي لمكافحة الفقر؟، وهل وجود هذا الكم من الجمعيات الخيرية والرعائية كافي لمكافحة الفقر؟ واجدني اصطدم بما درسته عن المجتمع المدني وأطواره وكيفية مساعدته في حل مشكلة الفقر وجهوده الممتدة في هذه القضية. فالطبيعي والصحي في الدول الديمقراطية هو وجود مجتمع مدني صحي وقوي بكافة أطواره بدءا من الخيري مرورا بالرعائي ثم التنموي فالحقوقي والدولي. وعلى الرغم من الدور الكبير للطور الخيري والرعائي للمجتمع المدني في قضية الفقر إلا أنه غير كافي بالمرة لإحداث حتى ولو فرق طفيف في ظروف المجتمع ككل ولذلك وجب ظهور الطور التنموي الذي يعتمد على تنمية الفقراء بدلا من تقديم المساعدات اللحظية لهم والتي في بعض الأحيان تتحول إلى نوع من أنواع التسول. حيث إن التنمية تعتمد بشكل رئيسي على عمليات التغيير الاجتماعي لكافة الأوضاع التقليدية من أجل إقامة بناء اجتماعي جديد ينبثق عنه علاقات جديدة وقيم مستحدثة تشبع رغبات وحاجات الأفراد وتطلعاتهم. ثم في أثناء عملية التنمية لا بد وأن يعرف المواطنون حقوقهم في التنمية مع التشبيك عالميا في القضايا ذات الاهتمام المشترك مثل قضية الفقر التي نخصص لها حديثنا.
من الجيد أن تعمل جمعيات ومؤسسات خيرية ورعائية وصحية في المجتمع، لكنهم لن يقوموا بحل الأزمة حلا جذريا فإلى جانب مسؤولية الدولة هناك تطورا لا بد وأن يصل لفكر المجتمع المدني الخيري والرعائي. حيث إنه على الرغم من التطور الكمي والجغرافي لعدد الجمعيات والمؤسسات الأهلية في مصر والذي تجاوز عدد 47 ألف جمعية ومؤسسة إلا أنه ليس هناك تكاملا في الأدوار بين كل هذه المؤسسات في الأدوار والأطوار، فجنوح الأغلب للدور الخيري والرعائي جعل هناك خللا ملموسا في الأطوار الأخرى وخصوصا التنموي، والذي يعتبر خطوة هامة في مكافحة الفقر.
ببساطة لكي نكافح مثلث الفقر والمرض والجهل، ليس بالتبرعات من أجل توفير وجبات لإفطار صائم أو ملابس للعيد أو علاج بعض الحالات في مستشفى ما أو ما شابه لكن سنكافحه بالتعاون المشترك ما بين المجتمع والدولة والمجتمع المدني في توفير بنية تحتية جيدة وبيئة نظيفة ومياه شرب نظيفة وفرص عمل وزيادة موازنة الصحة والتعليم هذا بالإضافة إلى التوعية المجتمعية الشاملة. هذا يمكننا من البدء في أولى خطوات التنمية المستدامة التي بتحقيقها سنتمكن من محاربة الفقر ووقتها لن نحتاج لأن نرى مثل هذا النوع من الإعلانات.