من أجمل أمثالنا الشعبية القديمة والمحببة لى أنا شخصياً (من جاور السعيد يسعد) وقد سمعت أمى تردده كثيراً عندما كانت ترى أحد المقربين منها فى حالة سعادة، حيث اعتادت أن تكرره كى تعلمنا البعد عن الأحزان وعدم الانخراط فيها أو المغالاة فى إظهارها للغير، وكانت تؤكد أن السعادة كالمرض الذى ينتشر بسرعة فى محيط من يتعرض له. وعندما بحثت حول المعنى الحقيقى أو تعريف السعادة فوجئت بأن هناك باحثة مصرية حصلت على درجة الدكتوراه فى السعادة، لتكون الأولى فى اختيار هذا الموضوع وصاحبة الرسالة العلمية الطريفة والنادرة هى الدكتورة (أغانى الجمال) وكان موضوع دراستها فى الجامعة الأمريكية المفتوحة بالقاهرة (أصول السعادة النفسية بين الفكر الإسلامى والغربى) وتقول د. أغانى إن السعادة ليست مجرد كلمة أو معنى بل هى علم متأصل له جذور فى الفكر الإسلامى، ولدى الغزالى وفلاسفة الإغريق والعلماء المعاصرين، مثل حسن عباس زكى، مشيرة إلى أن علم السعادة هو خليط بين الفلسفة وعلم النفس وعلم الطبيعة والكيمياء وعلم السياسة، وهو باختصار فن إدارة النفس والسيطرة عليها، كما أنه يجب معرفة أنواع النفس فى البداية لمعرفة كيفية إعطائها دواء السعادة الخاص بها، وأضافت أن أنواع الأنفس كثيرة ومتشعبة، فوفقاً للدين الإسلامى يتم تصنيفها على أنها نفس مطمئنة ونفس أمارة بالسوء ونفس لوامة، أما علم الاجتماع فيصنف كل نفس من أولئك إلى أنواع عدة.
ومن الأشياء الممتعة عند البحث عن معنى السعادة أن تجد عنها الكثير من الحكم على لسان المفكرين العرب والأجانب، وهو ما يعنى أنها شغلت العقول منذ قديم الزمان، وعلى سبيل المثال قال الإمام على بن أبى طالب (الدهر يومان يوم لك ويوم عليك فإذا كان لك فلا تبطر وإذا كان عليك فلا تضجر)، ومن أقوال مصطفى لطفى المنفلوطى (حسبك من السعادة فى هذه الدنيا ضمير نقى ونفس هادئة وقلب شريف وأن تعمل بيديك)، ويقول تولستوى (إن السعادة أن يكون لديك ثلاثة أشياء، شىء تعمله وشىء تحبه وشىء تطمح إليه)، ويقول أحد الحكماء (أنت لا تحتاج إلى البحث عن السعادة فهى ستأتيك حينما تكون قد هيأت لها موقع إقامتها فى قلبك)، أما غاندى فيؤكد (أنها تتوقف على ما تستطيع إعطاءه لا على ما تستطيع الحصول عليه)، ولجمال الدين الأفغانى رأى قد يختلف حوله الكثيرون إذ يقول: (النقود لا تحقق السعادة إنما هى فقط تهدئ الأعصاب أحياناً).
ومن المؤكد أن السعادة تختلف باختلاف الأعمار، ففى العشرينات نبحث عنها فى الحب، وفى الأربعينات هى الطموح وفى الستينات هى المجد، وبعد ذلك لا يجدها الإنسان إلا فى الراحة، فالحياة منتظمة لدرجة أنك لا تجد شخصاً يسعى دائماً وراء نوع واحد من السعادة حتى مماته.
وعندما نقرأ فى الحديث الشريف نجد أن الرسول العظيم محمد صلى الله عليه وسلم أوصانا فى أكثر من مناسبة أن نعيش السعادة ونسعد من حولنا، فقد روى مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)، وروى الحاكم والبيهقى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق)، وعن جرجر بن عبدالله رضى الله عنه قال (ما حجبنى النبى صلى الله عليه وسلم ولا رآنى إلا تبسم فى وجهى)، هذا وقد جمع الإمام البخارى أحاديث كثيرة للرسول صلى الله عليه وسلم وبوب لها: (باب التبسم والضحك) دليل على الابتسامة التى كان يحرص عليها الرسول الكريم، والإمام مسلم كذلك فى صحيحه أحاديث بوّب لها الإمام النووى فقال فى كتاب الفضائل: (باب تبسمه وحسن عشرته)، كما بوب الشيخ الغمارى الأحاديث التى فيها (ضحك النبى صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه) فى مؤلف سماه (شوارق الأنوار المنيفة بظهور النواجذ الشريفة).
وإذا بحثنا عما يقوله الفن والطرب عنها فسنندهش أن أشهر أغنية عن السعادة، التى قدمها فى أربعينات القرن العشرين إسماعيل ياسين فى أوبريت راقص من تأليف أبوالسعود الإبيارى تحت اسم (صاحب السعادة) هى نفسها التى غناها محمود حميدة ورقصت على كلماتها يسرا فى فيلم حرب الفراولة عام ١٩٩٤، الذى كانت قصته تدور حول البحث عن السعادة، فالجميع يبحثون عنها دون جدوى، الفقير والمليونير الذى حاول شراءها ولم ينجح وظل يلهث فى أحداث الفيلم وراءها ويردد (السعادة تبقى إيه) و(كلنا عايزين سعادة) وهو ما يعنى أنها تعيش بيننا ونبحث عنها ومعناها واحد، ومهما مرت السنون فهو لا يتغير ولا يختلف عليه اثنان، فأرجوكم لا تنسوا هذا المثل الجميل من جاور السعيد يسعد.. أسعدكم الله وأحبتكم.