تعدد الأعداء والنتيجة أننا فى نفق معتم
تعدد الأعداء ما بين إرهاب وإخوان وفساد وفقر وجهل ومرض وإحباط، ولكن الإرهاب ناتج كل هذه الأشياء، وبالتالى فهو الحرب الأهم والأشرس، ولا يمكن لهذه الحرب أن يواجهها فقط الجيش والشرطة، لا بد أن تكون هناك مواجهة شعبية، والوعى أحد أهم هذه الأسلحة، فلابد من توافر معلومات دقيقة ليدرك المجتمع حجم الخطورة، وجزء من هذا الدور لا بد أن يلعبه الإعلام الذى يعمل فى هذه الحرب بكثير من الجهل وعدم التقدير، فكلما وقعت حادثة يأتى الاستنفار الإعلامى بطريقة الفعل ورد الفعل وإصدار بيانات وإعلان مواقف ثم ننسى، لا بد أن يكون هناك عمل منتظم ومنظم ومستمر طول الوقت يعرف به الناس ما هى خريطة الإرهاب وعلاقة الجماعات الإرهابية بعضها ببعض ومصادر التمويل، فإعلان خريطة الإرهاب بشكل واضح مع وجود إلحاح إعلامى لها يعيد شرحها وتقديمها بشكل منتظم ودقيق هو أحد الأسلحة التى يجب أن تكون فى هذه الحرب، فالإرهاب حرب عالمية تقوم بها عصابات مرتزقة وممولة ويستغلون بعض المغسولة عقولهم ليزرعوا فيهم الفكر الانتحارى، ويجب أن يعلن الإعلام من وراءهم ومن ماذا يحركهم، ويجب على الدولة وضع استراتيجية للمواجهة قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى، بأفكار مبدعة يكون من بينها كيفية التعامل مع المناطق والعقول التى تعتبر بيئات حاضنة للإرهاب، وإذا كان الرئيس أعلن فى زيارته الأخيرة لألمانيا أنه يجب هدم الأسس الفكرية للإرهاب فقد لمس العنصر الأهم وهو الفكر، فكيف نهدم الأسس الفكرية ونحن نعانى غياب الوعى أو ضآلته، وبالتالى نحارب الإرهاب من جهة وندعمه من جهات أخرى، والنتيجة أننا نعيش على سطح ساخن من الفتن، والفتنة سواء كانت طائفية أو غيرها هى أحد تكتيكات الإرهاب لتفجير المجتمعات المؤهلة لذلك من الداخل ونحن منها، فالتعليم والوعى والمصداقية أسلحة لا نملكها، والمواجهة الشعبية تتطلب قدراً كبيراً من الوعى والشعور بوجود مصلحة أصيلة فى القضاء على التطرف والإرهاب، والجبهة الشعبية الداخلية هى خط الدفاع الوحيد، فعندما استشعرت الخطر وأدركت المصلحة العامة فى درء خطر الإخوان خرجت فى ٣٠ يونيو، ولكن أغلبية هذه الجبهة الآن أصبحت فاقدة للتفاؤل كما تفتقد جزءاً ليس قليلاً من الوعى، وهنا لا بد من انتباه الدولة إلى الشباب واستخدامهم كسلاح مشاة فى مقدمة المواجهة فى هذه المعركة، وإحدى أهم آليات استنفار الشباب هى الترويج لنماذج وتجارب وشخصيات ملهمة فى الماضى والحاضر واليقين بأن المسئولين والحكومة قدوة اقتصادياً وأخلاقياً، واستشعار الشباب بترسيخ العدالة والحماية الاجتماعية، فمن يستطيع يتحمل ومن لا يستطيع ترفع عنه الأعباء، وترسيخ ثقافة أن مصلحة الذين يملكون حماية ومسئولية ورعاية من لا يملكون، مع وجود إعلام شاب بديل واع وحر ومبدع، الدولة لا بد أن تعيد ترتيب الأولويات وتجعل القضايا الكبرى أولوية أولى وتعلن انحيازاتها بوضوح، وأن ينتهى العبث الذى يحدث فى أحيان كثيرة منها، مثلاً أن لدينا رئيس حزب هو أحد المطلوبين فى قائمة الإرهابيين والأمثلة كثيرة ومخزية، الدولة عليها أن تعلن ثورة العمل التى لا بد أن تبدأ الآن وليس غداً وإشاعة مناخ العمل وتأكيد أن الحضارة ليست صدفة والتقدم كذلك، لا بد من نقل نماذج سلوكية وتجارب بناء ملهمة وخلق وسائل تحفيز معنوية ومادية لمنظومة القيم والسلوكيات فى المحافظات والمدن والأحياء حتى ننتهى من ميلودراما المحليات وفسادها،
الدولة فى حاجة لإعلان حالة طوارئ ثقافية تؤكد من خلالها أن النوستالجيا لا ينبغى أن تكون سلفية سياسية أو اجتماعية أو دينية، والمستقبل يجب أن يكون حاضراً دائماً وأن تمكين ثورة الإبداع واجب قومى والقضاء على ثقافة التسليع، فالإنسان سلعة والموهبة سلعة ينبغى أن تذهب لأعلى سعر، فهى ثقافة مدمرة يجب أن تنتهى، والأخلاق لا بد أن تكون منهجاً وسلوكاً وليست شكلاً أو ادعاء، ولا بد أن يكون المناخ العام على قدر من الوعى يفرض التسامح والرقى، ويؤكد أن الدين لله، لنتخلص من الواقع القاتم القائم الآن، فنحن نتعامل مع التدين باستعراض بينما العمق أجوف، والمزايدة والنفاق فى الدين أصبح أسلوب حياة، وتوطين فكر الانتهازية الدينية جرف وعى الشخصية المصرية واستبدل بهويتها أخرى تتناقض تماماً الأسباب بفعل الغزو الثقافى المتخلف، الذى فعل ما عجز عنه الغزو العسكرى على مدى قرون، فمقولة مصر مقبرة الغزاة انتهت بفعل فكر وثقافة بينها وبين التحضر والوعى مائة عام على الأقل.