النخب لدينا مأزومة، وكل ما فعله وحيد حامد فى مسلسل «الجماعة 2» أنه وضعها أمام المرآة. جماعة الإخوان كانت تجد جذوراً لأفكارها لدى النخب التى هزمتها فكرة احتلال مصر على يد الإنجليز عقب فشل الثورة العرابية، فتصورت أن استعادة الأمجاد الإسلامية هى السلاح الذى يصح أن تواجه به المحتل المتفوق علمياً وتكنولوجياً، وهى النخبة ذاتها التى عبرت عن نفسها، وتبنت نفس الفكرة من جديد وأمدت الإخوان بقبلة حياة مرة أخرى بعد هزيمة 1967، واحتلال الدولة العبرية لأرض سيناء. لا أريد أن أسمى أسماء بعينها غذّت أفكار الإخوان، حتى لا أدخل فى جدل مع أحد، ولكن يبقى أن جماعة الإخوان كانت ترجمة تنظيمية لفكرة كانت تتسكع فى أدمغة المفكرين، وتجد صداها لدى العديد من فئات الشعب الذى آمن معها بأن ضعف الخلافة، ثم زوالها، هو الذى أدى إلى تمكن الاحتلال من أرض المسلمين. دعنى أضرب لك مثلاً واحداً بمصطفى كامل، الذى كان يستند فى دفاعه عن استقلال مصر إلى فكرة تبعيتها للخلافة العثمانية، رغم أن خضوع مصر للعثمانيين كان سبباً مباشراً من أسباب التراجع، الذى ضرب هذه الدولة التى ورثت حضارة مشهودة.
لم تكن النخب تخدّم على الفكرة الإخوانية فقط، بل كانت هناك فئة أخرى اختارت اللعب مع الحكام الجدد من ضباط يوليو، بعد قيام ثورة 1952. ومن عجب أن أغلب هذه النخب كانت مؤمنة بالفكرة الليبرالية، ولبعضها تاريخ داخل حزب الوفد. من هؤلاء القانونى الشهير سليمان حافظ، أول ترزى للقوانين عرفه المسرح السياسى فى مصر بعد ثورة يوليو 1952، و«حافظ» هو الذى أفتى للضباط بطرد الملك، وتشكيل مجلس وصاية مؤقت، والقانونى الأشهر عبدالرزاق السنهورى، الذى تعاون مع الضباط، خصوصاً فى صياغة قانون الإصلاح الزراعى، وعندما طلب إرساء مبادئ الديمقراطية، وحل مجلس قيادة الثورة، كان جزاؤه الصفع بالأحذية على سلم مجلس الدولة فى واقعة هى الأشهر فى تاريخ هذا المبنى.
النُّخب لعبت دوراً فى تغذية المشهد السياسى، الذى عاشته مصر عقب ثورة يوليو 1952، والكثير من السلبيات التى اعترت هذا المشهد ارتبط بعدم ولاء النخبة للأمانة التى كان عليها أن تحملها بالتعبير عن الشعب، آثرت بعض الرموز الفكرية والسياسية أن تلعب مع السلطة وتحاول الاستفادة منها، وآثر غيرها اللعب مع المعارضة، بل إن بعضاً من الرموز النخبوية من جماعة الإخوان نفسها آثرت الانفلات منها كى تجد لنفسها موضعاً فى أروقة السلطة. يبدو ذلك واضحاً فى موقف كل من الشيخ أحمد حسن الباقورى، والدكتور عبدالعزيز كامل. فى المقابل، حرصت السلطة على توظيف هذه العناصر وجعلها فى خدمتها، واختارت لها أدواراً معينة كى تؤديها، كان من بين هذه العناصر ساسة ومبدعون وكتاب وشعراء، ملأوا السمع والبصر خلال فترة الخمسينات والستينات، وعندما وقعت الواقعة، وتم ضرب المشروع الناصرى فى يونيو 1967، أخذت هذه النخب تلطم على وجوهها، وترجمت نواحها إلى أغانٍ وأفلام وروايات ومذكرات، كرست جميعها حالة نكسة، حدثتك ذات مرة عن أنها لم تزل تغزل خيوط المشهد الذى نعيشه حتى يوم الناس هذا!.