نهال كمال: مائدة «الخال» كانت عامرة بالأصدقاء.. ورمضان 1973 كان الأصعب
«الأبنودى» مع زوجته نهال كمال
كانت المائدة عامرة بالحكايات والقصص الشيقة مثلما كانت عامرة بالطعام الشهى، الزوج يجلس على رأس السفرة، بجواره زوجته، ومن حولهما نجلتاه، ينظر إليهما مبتسماً كعادته، ثم يتندر ويحكى حكاية قديمة دارت أحداثها عن مسقط رأسه بقرية أبنود، بمحافظة قنا أو حكاية فى القاهرة مع فنان معروف أو سياسى بارز، لكن هذه الحكايات والقصص توقفت مرة واحدة بهذه المائدة، مثلما توقفت فى كل موائد المصريين، لأن كبير هذه المائدة الصغيرة الذى اخترق كل جدران البيوت المصرية والعربية بكلماته البديعة، على مدار نصف قرن، رحل عن عالمنا منذ أكثر من عامين، وترك كرسيه خالياً على مائدته الأثيرة، صاحب الكرسى «الفاضى» هو الشاعر الكبير الراحل عبدالرحمن الأبنودى، الذى تقضى زوجته الإعلامية الكبيرة نهال كمال، ثالث شهر رمضان بدونه، تنظر إلى كرسيه وتتذكر السنوات الرائعة التى قضتها بصحبته وتحت جناح حبه، وتعيش على ذكراها «كانت أحلى أيام».
تتذكر نهال كمال أحد الأيام التى قضتها مع الأبنودى وتقول بابتسامة هادئة «بعد انتقالنا للعيش فى الإسماعيلية، بناء على نصائح الأطباء الذين طالبوه بالبعد عن تلوث القاهرة، كان عبدالرحمن حريصاً على جمعنا طوال أيام شهر رمضان على مائدة واحدة، يجلس هو على رأسها دائماً، وعندما منعه المرض من الصيام كان يصر على مشاركتنا فى تناول الإفطار على نفس المائدة بصحبة آية ونور، وهو كان يقول وجودى معاكم أحسن من العلاج».
زوجة الأديب الراحل تضيف بنبرة مرتفعة ممزوجة بالفخر «وكما كان لرمضان خصوصية فى منزل الأبنودى، شكلت أشعاره وأبياته بعض الخصوصية لرمضان فى نفوس المصريين، من ينسى كلماته فى مقدمة مسلسلات: أبوالعلا البشرى، وجمهورية زفتى، وذئاب الجبل، الذى امتزج صوته فيه بكلماته فى أغنية الهمة، بالإضافة إلى مسلسل شيخ العرب همام وغيرها، كلمات نشعر بها أن الخال لا يزال حياً بيننا».
تضيف «كمال» قائلة «فى شهر رمضان بالقاهرة، كان الأبنودى يحرص على قضاء عشرة أيام فى رواية السيرة الهلالية بصحبة رفيقه سيد الضوى ببيت السحيمى بشارع المعز، حيث كان يغادر المنزل طوال الأيام العشرة بعد تناول الإفطار، لينتقل إلى عالم آخر من حكايات أبوزيد الهلالى ورفاقه، كما كان يحرص على اصطحابنا معه لنعيش أجواء رمضان الحقيقية فى منطقة يفوح منها عبق التاريخ».
وتتابع «كمال»: «المدة المتبقية من شهر رمضان كان يقضيها الشاعر الراحل فى دعوة الأصدقاء للإفطار معنا، وكان يشرف على إعداده بنفسه، وكان يحجز اللحوم والطيور قبل شهر رمضان بمدة طويلة جداً، وكان يعد مشروبات الصعيد بنفسه مثل الكركديه والتمر هندى، وكان دائماً يفتخر بأنه ورث عن والدته فاطمة قنديلة أسرار أطباق الصعيد، وكان يوكل لى مهمة إعداد الحلويات، خاصة الكنافة والقطائف، وكما كانت المائدة عامرة بالطعام، كانت عامرة بالصحبة من مختلف الأطياف، فنانين وأدباء وسياسيين مثل المطرب محمد رشدى، والفنان نور الشريف، ومحمد منير، وجمال الغيطانى واللواء عادل لبيب».
وعن أغرب «رمضان» مر على الخال تقول زوجته: «الأبنودى قال لى إن شهر رمضان 1973 كان أصعب شهر مر عليه فى حياته، حين عبرت قواتنا المسلحة قناة السويس فى اليوم العاشر منه، حينها كان الأبنودى قد ارتحل إلى لندن، مثلما ارتحل العديد من المثقفين فى حالة من الإحباط بعد النكسة، ليعمل فى إذاعة البى بى سى مع الروائى الكبير الطيب صالح، وجاءه خبر العبور لتمتزج فرحته بالنصر بشجن وحزن بسبب وجوده خارج مصر، إلا أنه كان يقول شاهدت وجهاً آخر للنصر فى صدمة الدولة العظمى، وردود الفعل الغربية، ومحاولات التضليل والتحيز الواضح ومحاولات طمس النصر، حتى هاتفه عبدالحليم حافظ وقتها وطالبه بكتابة أغنية النصر، مثلما كتب أغنية النكسة، وبالفعل كتب من لندن كلمات أغنية صباح الخير يا سينا لتكون آخر أغنية وطنية غناها عبدالحليم حافظ».