محاولات تسييس نقابة الصحفيين لن تتوقف طالما قرر البعض الخلط بين المهنية والحزبية واعتبار مبنى النقابة مقراً للتعبير عن القضايا السياسية والخلافات الحزبية.
ظلت نقابة الصحفيين عشرات السنين عصية على محاولات اختطافها لصالح تيار سياسى يستخدمها فى صراعاته وخلافاته الأيديولوجية، وحافظت النقابة على استقلالها ودورها الوطنى ولم تتخل عنه يوماً.
ومن أبرز الأحداث التى واجهتها النقابة اتفاقية السلام المصرية - الإسرائيلية فى عام 1979 وقد استقطبت الاتفاقية تأييداً ورفضاً من النخبة السياسية بدرجات متفاوتة، وانعكست عملية الاستقطاب على الأوساط الصحفية.
معاهدة كامب ديفيد واتفاقية السلام مع إسرائيل كانتا تمثلان قضية وطنية للمصريين، ولم تكن الخلافات بشأنهما أيديولوجية قدر ما كانت خلافات كما قيل وقتها على الأرض والسيادة، وهى ملفات تمس الوطن فى الصميم.
خلافات النخبة السياسية هددت بشق نقابة الصحفيين فى واحدة من أقرب القضايا لقلوب وعقول المصريين وهى القضية الفلسطينية، ولمست وتر الوطنية المصرية الضاربة بجذورها فى التاريخ تجاه ما اعتبره المعارضون آنذاك التنازل عن السيادة والاسترداد المشوه للأرض فى ضوء بنود اتفاقية السلام.
لم تجد النقابة ملاذاً للخروج من الأزمة وحماية النقابة من الانشقاق إلا باللجوء للمهنية، واعتبرت أنها غير معنية بالجانب السياسى الحزبى فى القضية، وأرجعت ذلك إلى وجود اتجاهات مختلفة بين الصحفيين تأييداً ورفضاً للاتفاقية، ولأنها مؤسسة غير حزبية فهى ليست معنية بهذا الخلاف الذى هو مقره الأحزاب والجماعات السياسية.
النقابة تعاملت مع ما يخصها فى الملف، فقررت من الناحية المهنية حظر التطبيع مع الكيان الصهيونى وفصل أى عضو بالنقابة يتعامل مع صحفيين إسرائيليين أو مسئولين، ومع تطورات الأحداث قلصت الأمر على التصرفات الفردية ورفعت الحظر عن من يصطحبون البعثات الإسرائيلية أو من ينفذون تكليفات من مؤسساتهم.
لم تتوقف عملية صياغة قواعد الاشتباك النقابى مع القضايا السياسية على هذا الجانب، وإنما لعبت النقابة أيضاً دوراً مهماً فى القضايا ذات الإجماع الوطنى، ولم تتوقف يوماً عن الاشتباك معها وتحويل مبنى النقابة إلى مقر لكل الجماعة الوطنية، مثل التضامن مع الانتفاضة الفلسطينية أو العدوان على غزة وخلافه.
الحل إذن كان فى اللجوء للمهنية والابتعاد عن الحزبية، فالنقابة بيت للصحفيين فى قضاياهم المهنية، سواء من جانب علاقات العمل أو من جانب حماية حريات الرأى والتعبير فيما يتعلق بقضايا النشر ومواجهة أى محاولات لفرض قيود عليها.
وفقاً لما أقرته النقابة من قواعد محددة فإن لجوء البعض لها لتنظيم فعاليات سياسية فى قضايا لا تمثل إجماعاً وطنياً يحتاج أولاً إلى قرار من مجلس النقابة، فلا يجوز للبعض أن يدخل النقابة عنوة لتنظيم فعاليات واحتجاجات سياسية ذات توجهات حزبية إلا بموافقة المعنيين، وهم هنا مجلس النقابة، وهذا بالقطع مع الإقرار بحق المعارضين فى تنظيم احتجاجاتهم وفقاً للقانون.
ملف ترسيم الحدود مع المملكة السعودية يمثل قضية خلاف سياسى، وعملية الاستقطاب ما بين مؤيد الاتفاقية ومعارضها تمتد خيوطها لداخل النقابة، وإذا أقام المحتجون نشاطاً فمن حق المؤيدين أيضاً، ونحن هنا ندق إسفين الخلاف والصراع والانشقاق لداخل النقابة وهذا ما يجب أن نعمل جميعاً على مواجهته.
الخلاف على اتفاقية ترسيم الحدود مكانه مقار الأحزاب وليس نقابة الصحفيين، ارحموا النقابة يرحمكم الله.