منهج التاريخ يتوقف عند عصر السادات، ولم يعد هناك ذكر لثورتى يناير 2011 ويونيو 2013. قرار اتخذته مؤخراً وزارة التربية والتعليم. توقفت فى أكثر من مناسبة عند أداء الدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم، وسجلت إعجابى بجرأته فى اتخاذ القرارات وتبنيه رؤية واضحة المعالم لإصلاح حال التعليم فى مصر، لكننى فوجئت بقراره الأخير، والحجة التى استند إليها القرار والمتمثلة فى عدم وجود وثائق تصف ما حدث فى الثورتين. لا أستطيع أن أحدد على وجه الدقة هل قرار عدم ذكر الثورتين فى كتب التاريخ نابع من الوزارة أم من خارجها، لكن من المؤكد فى الحالتين أن القرار عليه العديد من التحفظات.
نفى الثورة من كتب التاريخ لا يعنى بحال محوها من الواقع. ثورة يناير قامت لأسباب موضوعية ملخصها سياسات الاستبداد والفساد التى انتهجها نظام حكم حسنى مبارك، تلك السياسات التى بلغت ذروتها فى مساعى التوريث ومحاولة تبليع الشعب فكرة وراثة النجل لحكم أبيه، وهو ما دعا الناس إلى الخروج طلباً لحياة أكثر حرية وكرامة تتحقق فيها عدالة اجتماعية حقيقية. لم يتحقق شىء من مطالب الثورة، وتلقف الإخوان كرة الحكم وسعوا إلى اختطاف الدولة وإدارتها على مزاجهم الخاص، فانتفض الشعب ضدهم من جديد فى مظاهرات 30 يونيو. حقيقة ترسخت على الأرض منذ يناير وحتى الآن وهى أن الشعب لم يعد يثنيه استبداد عن تحقيق أحلامه فى الحياة الكريمة، وأنه لم يزل يطالب بمواجهة الفساد وإيجاد دولة أكثر طهراً وعدلاً. إلغاء ثورة يناير وتوابعها من كتب التاريخ لن يؤدى إلى التخلص من صداع المطالب، ولن ينهى حلماً أصبح يشكل جزءاً من النسيج العقلى والوجدانى للمصريين.
تعالَ بعد ذلك إلى مسألة التمحك بغياب الوثائق التى تصف ما حدث فى يناير ويونيو. وهى حجة مضحكة بعض الشىء، لأن الكثير من الأحداث التى تشتمل عليها كتب التاريخ المعاصر فى مصر، معدومة العافية على مستوى الاستناد إلى وثائق دقيقة وحقيقية فى التأريخ لها. خذ عندك على سبيل المثال هزيمة يونيو 1967. لا أحد يعرف على وجه الدقة ماذا حدث خلال الأيام التى سبقت الحرب وذلك اليوم الحزين (5 يونيو) من تاريخ المصريين. وقس على ذلك الوثائق الخاصة بالصراع على السلطة عام 1954، وكلنا يعلم أن تاريخ الملكية ناله من التشويه ما ناله طيلة العقود الماضية.
عدد من أعضاء مجلس النواب اعترضوا على القرار، لكن من المتوقع فى النهاية أن يتم تمريره، فالحكومة لها سككها وهى تعرف كيف تمرر ما تريد من قرارات. فلتمرر الحكومة ما تشاء، لكن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً، الواقع بظروفه ومعطياته يفرض نفسه فى النهاية، ومحاولة تغييره على الورق تبدو فى الكثير من الأحيان محاولة مضحكة، فالدول لا ترسم حياتها على الورق، والحكومات لا تنجح بمجرد إملاء مجموعة من القرارات، بهدف «توريق الحياة»، الحكومات تنجح فقط إذا أجادت «ترويق الحياة» وتغيير الواقع بصورة يلمسها المواطن البسيط. «ترويق الحياة» هو المؤشر الأول على نجاح الإدارة.