أثارت مصادرة المواقع الصحفية والإعلامية على شبكة الإنترنت فى مصر مسألة حرية التعبير وسلطة الدولة فى تقييد هذه الحرية، البعض انبرى مدافعاً عن حق الدولة فى مصادرة الصحف والمحطات الإعلامية والمواقع الإلكترونية استناداً إلى قانون الطوارئ الذى طبق فى مصر، وبالتالى يمكن تقييد نصوص الدستور المصرى بشأن حريات الرأى والتعبير، يستند هذا الرأى إلى نص القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارئ، الذى ينص على أن الدولة يجوز لها أن تراقب الصحف والنشرات والمطبوعات والمحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن الطباعة، وذلك حفاظاً على الأمن القومى، وهذا الرأى فى الحقيقة يجافى تماماً التطور الذى حدث فى دستور 2014، وأرى أن القانون 162 به عوار دستورى جلى واضح فى أكثر من مادة، وقد حكمت المحكمة الدستورية فى حكم حديث بعدم دستورية نص المادة 3 من القانون المذكور، وكانت خاصة بحق وزارة الداخلة أو الحاكم العسكرى أو من يفوضه فى القبض على الأشخاص واحتجازهم دون العرض على سلطات قضائية، ولا يتطلب القانون سوى أن يكون لدى سلطات الداخلية اعتقاد بأن المواطن يشكل خطراً على الأمن العام، واعتبرت المحكمة الدستورية أن هذا النص خالف أحكام الدستور فى المادة 51 الخاصة بالكرامة الإنسانية وعدم جواز المساس بها، والمادة 53 فى عدم جواز القبض على إنسان أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق، وطبعاً فى غير حالات التلبس بالجريمة.
أما فىما يخص مصادرة الصحف والمطبوعات فأعتقد أن قانون الطوارئ المشار إليه والذى يستند إليه الرأى القائل بجواز القيام بالمصادرة وغلق المواقع على شبكة الإنترنت استناداً إلى إعلان حالة الطوارئ أيضاً غير دستورى، وسندى فى هذا الآتى:
أولاً: تنص المادة 70 على حرية الصحافة والطباعة والنشر الورقى والمرئى والمسموع والإلكترونى، وأنها مكفولة، وللمصريين من أشخاص طبيعية واعتبارية عامة أو خاصة حق ملكية وإصدار الصحف وإنشاء وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ووسائط الإعلام الرقمى. وتصدر الصحف بالإخطار، وهنا فى حكم حديث للمحكمة الدستورية حكمت بعدم دستورية المواد التى تلزم إجراءات خاصة بإنشاء الصحف استناداً إلى أنها بموجب هذا النص أصبحت بالإخطار، فالواجب تعديل القانون ليتوافق مع الدستور.
ثانياً: نص المادة 71 التى تحظر بأى وجه فرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام المصرية أو مصادرتها أو وقفها أو إغلاقها، والاستثناء الوحيد الذى يجوز للسلطات فى هذه المادة والذى يعطى للسلطات فرض رقابة محددة عليها هى فى زمن الحرب أو التعبئة العامة، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين فهى جرائم شخصية نص الدستور على تجريمها وتوقيع عقوبات عليها وليس مصادرة الوسيلة الإعلامية.
ثالثاً: فرضت حالة الطوارئ كما هو معلوم بسبب الأعمال الإرهابية التى ارتكبت، وآخرها تفجير الكنيستين فى الإسكندرية والغربية، وهنا نص الدستور فى المادة 237 على أن تلتزم الدولة بمواجهة الإرهاب، بكافة صوره وأشكاله، وتعقب مصادر تمويله، وفق برنامج زمنى موحد باعتباره تهديداً للوطن وللمواطنين، وهنا لم يتوقف الدستور عند هذا الالتزام لكنه شدد على ضمان الحقوق والحريات.
فقرارات مصادرة المواقع الإلكترونية مخالفة للدستور وأيضاً لالتزامات مصر الدولية بموجب الاتفاقيات التى سبق أن صدقت مصر عليها وأصبحت وفقاً للدستور جزءاً من القانون الداخلى، ولا تتمتع هذه الإجراءات بأى قدر من المشروعية، بل إن قانون الطوارئ ذاته مخالف للدستور ويحتاج إلى مراجعة لكى يتفق مع الدستور ومعايير حقوق الإنسان الدولية، فالمصادرة هنا هى عدوان على الحرية.