سجلت سابقاً سعادتى أن حكومة المهندس شريف إسماعيل قد أخذت باقتراح تقدمت به عام 1992 فى أعقاب تحويل مرفقى المياه والصرف إلى شركات قابضة، وسبقتهما إلى ذلك الشركة القابضة للكهرباء، وكان منطقياً أن أسأل حينما توليت منصب رئيس لجنة المرافق بالمجلس الشعبى لمحافظة القاهرة لماذا تتوقف الحكومة عن تحويل إدارات وهيئات النظافة إلى شركة قابضة تتبع وزير الإسكان والمرافق كما حدث مع المياه والصرف الصحى، ودون الدخول فى تفاصيل فنية، فقد كان السبب الرئيسى خشية وزارة الإسكان من تحول النقد اللاذع حول أزمة النظافة من المحافظين ووزير التنمية المحلية إلى وزير الإسكان؟!!.
وهنا أسجل تقديرى لقرار رئيس الوزراء شريف إسماعيل بإجراء دراسات كيفية إنشاء هذه الشركة، وعدم تسرعه فى البت فى المقترح المقدم من السيد وزير البيئة، لأن المسألة ليست بهذه السهولة من ناحية ولأن السيد وزير البيئة الذى احتضن جهاز إدارة المخلفات الصلبة بدلاً من السيد وزير التنمية المحلية، لم يقدم من خلال هذا الجهاز قيادات لها خبرة فى هذا المجال، ولا حلولاً عملية على الأرض يشعر بها المواطن، والسبب أن من يديرون هذا الشأن لا يملكون الخبرة العملية التى يتمتع بها خبراء معروفون ليسوا على هوى السيد الوزير، فاختار كعادته السكرتارية المطيعة، وليس الخبرات المنفذة على أرض الواقع، وخوفاً من أن تتحول هذه الفكرة الصحيحة إلى تطبيق بائس كعادة حكومات مصرية عديدة أود أن ألفت نظر السيد رئيس الوزراء إلى ما يلى:
1- المواجهة الأولى فى نهاية السبعينات لمواجهة أزمة النظافة التى بدأت بشدة فى أعقاب حرب 1973، وبعد أن تم تهجير مدن القناة لعدة سنوات فوجئت محافظات الدلتا بجحافل الفئران العملاقة تغزو أراضى الدلتا.
وكان لى شرف المشاركة مع كل من د. مختار الحلوجى بمركز البحوث ود. محمد ماهر على، وم. جان قدسى بمحافظة القاهرة فى دراسة هذه الظاهرة التى خلصنا منها إلى أن جبال القمامة التى تراكمت فى محافظات القناة سبب الهجرة، وفى محافظات الدلتا بسبب الزيادة المفاجئة للمهاجرين فوق قدرة المحافظات للتعامل معها، فضلاً عن قصور خدمات النظافة فى القاهرة والجيزة مقابل زيادة سكانية مضاعفة تولدت معها ملايين الفئران التى هاجمت الناس فى بيوتها، وتحركت الحكومة وأجرينا تعديلات على قانون النظافة وتم إنشاء الهيئة العامة للنظافة فى كل من القاهرة، والجيزة، ونجح كل من اللواء عبدالرحمن عبدالعال ومن تلاه من قيادات هيئة النظافة فى السيطرة على المشكلة إلى أن تفاقمت مرة أخرى.
2- فكانت المحاولة الثانية هى إنشاء شركات قطاع خاص مصرية، برز منها شركة كير سيرفيس، ومصر سيرفيس وعدة شركات مصرية وعربية استطاعت أن تبذل جهداً معقولاً، ولو تُركت هذه الشركات ما كنا عانينا من أزمة النظافة مرة أخرى، إذا سُمح لها بالتطوير الصحيح ولكن سرعان ما توقفت لضغوط من أجهزة الإدارة المحلية، وواجهت مشكلة قلة التمويل، ومحاولة المحافظ السيطرة عليها.
3- المحاولة الثالثة استيراد زبالين لمصر:
فى إطار خصخصة القطاع العام للأجانب أصر أ. د. عاطف عبيد على استيراد زبالين لنظافة مصر، فاستدعى شركات من إنجلترا، إيطاليا، إسبانيا لنظافة مصر، وتصورنا أن هذه ستضخ أموالاً وتدرب عمالة إلا أن الحكومة تحملت ما يقرب من 1.2 مليار جنيه سنوياً لسداد ديونها لهذه الشركات التى فشلت فشلاً ذريعاً، بعد أن رأت الويل من المحافظات فى هذا المجال حتى أحسنت الحكومة فى عدم الاستعانة بها مرة أخرى، خاصة بعد أن فوجئت حكومة عصام شرف بأن شركة فيوليا تنسحب فجأة من الإسكندرية وتركتها عارية بلا نظافة، فاضطر م. إبراهيم محلب، رئيس شركة المقاولون العرب، لإنشاء شركة النهضة للنظافة تابعة للمقاولون العرب، ولكن بسعر مفروض من الحكومة لا يساوى 40% من التكلفة المطلوبة للطن الواحد.
4- محاولة حكومة شريف إسماعيل مواجهة أزمة النظافة يجب أن تبنى على تجارب الحكومات السابقة من ناحية وتجارب الدول الأخرى من ناحية أخرى، وإلا سيكون مصير هذه المحاولة فشلاً ذريعاً، خاصة أن كثيراً من الأكاديميين الذين يعدون عروض الجداول والأرقام لا يعرفون تفاصيل إدارة النظافة مثلما يعرفها من أداروها عملياً.
- الأبعاد الرئيسية الضرورية لمحاولة إنشاء الشركة القابضة للنظافة من خلال تبعيتها لوزارة الإسكان والمرافق كالتالى:
أ- المساهمون فى إنشائها.
1- الحكومة
- وزارة المالية (الموازنة).
- وزارة البيئة (صندوق حماية البيئة والمنح الدولية).
- وزارة التنمية المحلية (صندوق النظافة).
- اتحاد الغرف التجارية.
- جهاز الخدمة الوطنية.
- اتحاد الصناعات.
- اتحاد المقاولون.
- جمعيات المستثمرين.
كافة شركات المعدات الثقيلة (حكومية مثل شركة الرى وشركة النقل، وشركة قناة السويس).
2- الشركات التابعة لها نوعان هما:
أ- شركات نوعية (مخلفات بلدية، مخلفات طبية، مخلفات صناعية).
ب- شركات جغرافية: لكل محافظة شركة (المدن، القرى).
3- برامج الشركة:
- جمع منازل وشوارع، ومنشآت.
- نقل إلى المحطة الوسيطة ثم المقلب العمومى.
- تدوير المخلفات وتحقيق مكسب مبيعات.
4- النظام الإدارى:
- الشركة تمتلك ولا تدير.
- تمول بالمناقصات شركات القطاع الخاص وشركات الزبالين.
- تراقب وتنظم وتطبق القانون.
5- أهداف الشركة ومخرجاتها:
- نظافة المدن والقرى.
- دعم إنشاء شركات قطاع خاص مصرى فى مجال إدارة المخلفات الصلبة وتشغيل الشباب.
- دعم إنشاء صناعة وطنية معدات وسيارات وأدوات النظافة.
- دعم إنشاء مناطق صناعة تدوير المخلفات والمساعدة فى إنشاء مناطق صناعية لتدوير المخلفات (التى فشل وزير البيئة فى تطبيقها وترك أراضيها خراباً تتنازعها الوزارات والمحافظات).
- دعم إنشاء شبكة من المقالب العمومية المؤهلة صحياً وعلمياً بدلاً من الـ54 مقلباً عشوائياً التى تسىء إلى مصر.
وختاماً:
فهل تنجح حكومة شريف إسماعيل فى محاولتها الرابعة فيما فشلت فيه الحكومات السابقة؟ ولكى تنجح يجب عليها أن تستعين بأصحاب التجارب العملية، فهل لو تشكلت لجنة فيها محافظون ناجحون فى النظافة، أمثال عادل لبيب وعبدالمنعم عمارة وجلال السعيد والمحجوب ومعهم رؤساء هيئات النظافة سابقون وحاليون مثل حافظ سعيد وخبراء بيئة عملوا فى هذا المجال مثل م. أمين خيال وشخصى الضعيف وممثلى شركة النهضة وكير سيرفيس ليقدموا خبرتهم بشرط دون أى مقابل مادى وتسجيل التجارب التى كانت وراء النجاح بدلاً من التسرع وراء لهفة حكومية تنتهى بفشل آخر؟