فى ختام احتفالية مصر بليلة القدر، قال فضيلة الشيخ أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر: «فى غمار الأحداث الشاذة التى أصيب بها المجتمع المصرى والفتاوى التى لا تعبر عن الإسلام ولا عن الفقه ولا عن الشريعة، تقدمنا بمشروع قانون ضد الكراهية ويجرّمها، وتفضل الرئيس وطلبه من الأزهر، وهو الآن فى الرئاسة». إلى هنا انتهى كلام شيخ الأزهر، وأجد أن قانون تجريم الكراهية ضرورة من ضرورات الوقت، ونتعشم أن يحظى هكذا قانون بما يستحقه من اهتمام، وأن يصدر قريباً.
من المهم أيضاً، ونحن بصدد مناقشة موضوع «الكراهية» التى يلجأ بعض الأفراد أو الجماعات أو الجهات إلى ترويجها وتسويقها، وجعلها جزءاً من الحياة، أن نستوعب أن من يبث الكراهية ليس فى مقدوره أن ينال من مجتمع سليم الثقافة، الكراهية لا تروج أو تنتشر أو تترجم فى أفعال يهم فيها بشر بالإضرار بغيرهم إلا فى الثقافات المعتلة العاجزة عن المقاومة ورفض الأفكار السقيمة. قرون طويلة عاشها المصريون، مؤمنين بفكرة الاختلاف الصحى، الذى يترجم فهماً عميقاً للآية الكريمة التى تقول: «ومن آياته اختلاف ألسنتكم وألوانكم»، والآية التى تقول: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين». الاختلاف بين البشر فى العقيدة والفكر والتوجهات أمر إنسانى، لكن عندما يتعمق هذا الاختلاف وينتقل من منصة العقل إلى عتبة الوجدان ويتحول إلى كراهية، هنا تظهر المعضلة. نحن بحاجة إلى تعميق ثقافة الاختلاف وقبول الآخر، ليس بمجرد الكلام، ولكن من خلال ممارسات حقيقية، تعطى فيها كل مؤسسة القدوة، يستوى فى ذلك الأزهر مع الجامعات مع المدارس مع البرلمان مع المؤسسات السياسية وخلافه. إذا تعلمنا كيف نقبل من يختلف معنا، فسنكون بذلك قد قطعنا خطوة مهمة على طريق مواجهة الكراهية التى بدأت تنشب مخالبها فى مجتمعنا.
من يقرأ تاريخ مصر أواخر القرن التاسع عشر، وخلال العقود الخمسة الأولى من القرن العشرين، سيعلم أن هذا البلد احتضن المصريين مع الشوام مع الترك مع اليونانيين، عاش فيه المؤمنون بالإسلام والمسيحية واليهودية، تحرك على ساحته السياسية العلمانيون إلى جوار اليساريين إلى جوار اليمينين الدينيين. ذات يوم كتب إسماعيل أدهم كتاباً عنوانه: «لماذا أنا ملحد؟»، فلم يحرض أحد على كراهيته أو سفك دمه، كل ما حدث أن تم الرد عليه بكتاب عنوانه: «لماذا أنا مسلم؟». كانت تلك معالم المشهد الذى عشناه عندما سادت ثقافة «الإيمان بالتعايش مع الاختلاف»، وتلك هى الثقافة التى أجد أننا بحاجة إلى استردادها مرة أخرى، من خلال كل أدوات الغرس الثقافى، فى المدارس والجامعات والمساجد والكنائس ووسائل الإعلام، وأيضاً المؤسسات السياسية. وجود القانون مهم، لكن كل قوانين العالم ليس بمقدورها أن تحل مشكلة مصدرها الثقافة السائدة، يصح أن يكون القانون عاملاً مساعداً، لكن تغيير الثقافة ضرورة، أعلم أن تلك هى الخطوة الأصعب التى تتطلب جهداً جهيداً من كافة الأطراف الحريصة على مستقبل هذا البلد، ولكن لا بد مما ليس منه بد!.