وفق ما اعتدناه من جانب بعض ممن يحسبون أنفسهم رعاة مصالح الوطن ومواطنيه، فقد جاءت موافقة مجلس النواب على اتفاقية «تعيين الحدود بين مصر والمملكة السعودية» وما فرضته من حتمية إعادة «وديعة جزيرتى تيران وصنافير» للمملكة، فرصة ذهبية لهؤلاء لممارسة محاولاتهم فى التشويه والتعدى والتصنيف وإعادة فرز المواطنين والمسئولين بين «وطنى رافض» وبين «خائن موافق»..!
مواطنون صنّفوا أنفسهم بأنهم نخبة وجدوا فى هذه الاتفاقية فرصة لإعادة تذكير الرأى العام بهم بعد أن انحسرت عن وجوههم «أضواء ستوديوهات برامج التوك شو الليلية».. آخرون عاودهم «الوهم» بأن رئاسة الجمهورية ستكون «محلهم المختار» وأن القدر سيضعهم فى موقعهم الصحيح لتولى مسئولية الوطن فى الانتخابات الرئاسية المقبلة بعد أن فشلوا فى سابقيها.. وفريق ثالث «يمثل جماعة الإخوان الإرهابية» لم يكونوا فى يوم من الأيام يشكلون «جملة مفيدة» فى دفتر أحوال الوطن، بل كانوا مجرد «جملة اعتراضية ليس لها محل من الإعراب» فقد اعتبروا أن هذه الاتفاقية هى «ساعة الصفر» للثأر مما جرى لهم على يد ملايين المواطنين -يوم 30 يونيو- فاستغلتها كـ«حجر» يُلقى على زجاج الوطن ليحطمه.. وسارعت كتائبها الإلكترونية لترفع لواء الدفاع عن أرض الوطن رغم أن أدبيات هذه الجماعة لا تعترف بأى وطن وترى أنه مجرد «حفنة تراب»..!.. و«دويلة» صغيرة مارقة على الخليج العربى وجدت أن الوقت مناسب للثأر من مصر بعد أن فضح الرئيس السيسى تآمرها أمام دول العالم ووثقه بأدلة وقرائن، فأطلقت آلتها الإعلامية التى أصابتها لوثة واضحة وراحت تهذى ربما تنجح فى تحقيق ما تحلم به.
على كل حال لنكن صرحاء ونؤكد أن حالة الارتباك التى صاحبت ذلك الجدال الصارخ لم تكن صنيعة هؤلاء «الفرقاء» وحدهم بل إن مؤسسات الدولة نفسها تتحمل نصيباً وافراً من إحداث هذه الحالة كما لو كانت هذه المؤسسات «تُنقب» عن أسباب لإرباك الوطن وإحداث حالة من الفوضى ووضعه فى حيرة من أمره.. فإذا كانت الاتفاقية -وفق ما أثبته المستشار عمر مروان، وزير شئون مجلس النواب- لم تنشئ وضعاً جديداً عن القرار الجمهورى 27 لسنة 1990 (الذى صدر فى عهد حسنى مبارك) بالنسبة للجزيرتين.. وإذا كانت كل المعاهدات الدولية ووثائق الخارجية المصرية وكافة المراسلات والاتصالات التى دارت بين الجانبين على مدى سنوات مضت والتى طالت نحو 27 عاماً كاملة قد أقرت تبعيتهما للسعودية، وهو ما يستوجب ردهما للمملكة.. وإذا كان مجلس الوزراء المصرى أصدر إقراراً حمله وزير الخارجية عام 1990 إلى السعودية بأن الجزيرتين تخصانها وأن مصر على استعداد لتسليمهما فى الوقت المناسب، وذلك بعد ما أقرت مصر بأنها تقوم على إدارتهما حفاظاً على الأمن القومى أثناء الصراع مع إسرائيل واحتلالها أم الرشراش عام 1949، وإذا كانت مصر قد أودعت لدى الأمم المتحدة فى 2 مايو 1990 القرار الجمهورى الخاص بتعيين الحدود ولم يتضمن أى نقاط أساس مصرية على جزيرتى تيران وصنافير.. وإذا كانت كل هذه الترتيبات قد حدثت ولم يكن أحد قد طعن على هذا القرار منذ صدوره عام 1990 فلماذا لم تقدم الدولة المصرية على التمهيد لذلك الاستحقاق وفضلت التزام الصمت طوال هذه المدة ولم تذكر شيئاً للرأى العام عنها إلا بعد وصول العاهل السعودى إلى مصر فى أبريل من العام الماضى وهو ما أثار الشكوك حول صحة الموقف المصرى فى هذه القضية؟!
لن نلجأ لمنطق التفسير التآمرى للأحداث لكى نفهم ما جرى فى قضية الجزيرتين، ولكن كل الشواهد تؤكد أن هناك «بداخل بعض الجهات المصرية» من يسعى إلى إحداث الإرباك والتصادم بين مؤسسات الدولة وهو ما ترجمه إسراع «رئيس مجلس الوزراء» بإحالة الاتفاقية لـ«النواب» دون انتظار لإعلان المحكمة الدستورية حكمها فى صحتها من عدمه وهو ما ننتظره قريباً بعد أن أوقفت فى حكمها فى الشق المستعجل ذلك التناقض بين محكمتى الإدارية والعليا بشأن الاتفاقية..!!
ما يجرى من جانب البعض هو محاولة للتشويه المتعمد لقائد عسكرى ينتمى إلى تلك المؤسسة الوطنية راهن على حياته -فيما يشبه «الروليت الروسى»- ليخرج فى 30 يونيو تلبية لثورة ملايين.. قائد ورفقاء تسيطر عليهم العقيدة العسكرية بأن التفريط فى الحياة فى سبيل الوطن أولى من التفريط فى حبة رمل واحدة.. قائد قادر بالفعل على العمل والإنجاز يثق الجميع فى قدرته، قادر على الفعل وليس الادعاء.. يشغله -والذين معه- كيف يحمى حدود «وطن» يردد ملايين التلاميذ اسمه فى طابور الصباح «بلادى.. بلادى».. قائد يستهدف تحقيق المصلحة الوطنية.. يجمع ولا يفرق.. يصون ولا يبدد.. قائد راهن بجماهيريته ليتصدى لمشاكل لم يجرؤ أحد على أن يتصدى لها فى سبيل إعادة بناء وطن مزقته المشكلات والصعوبات.. وهددت الخلافات والمؤامرات بتمزيقه.. قائد لا يستهدف الثأر أو الانتقام بل القصاص لحق مواطن فى أى مكان فى العالم فهل يمكن لنا أن نصدق أن مثله يمكن أن يفرط فى حق وطن «أقسم على حماية حدوده ورعاية مصالح أبنائه؟!
وإذا كان البعض يرى أن من حقه أن «ينادى أخاه التيرانى وابن عمه الصنافيرى» باعتبار أن الجزيرتين تمثلان «المحافظة المصرية رقم 28»، والدليل أنهما كانتا تحت الحماية المصرية دون سيادتها فعلياً، فيجب عليه ألا يطالب باسترداد منطقة «حلايب وشلاتين» التى كانت فى فترة من الزمن تحت الإدارة السودانية وليست ضمن سيادتها أيضاً.. ولكِ يا مصر السلامة.