من أطرف ما تابعت خلال شهر رمضان تلك التعليقات على شلال الإعلانات التى اجتاحت البيوت المصرية، وكان الفنانون المصريون هم الأبرز فيها، والذين احتلوا أغلب المساحات الإعلانية.
والمدهش حقيقى أن الفنان المصرى، وعلى مدار العام أصبح يفعل كل شىء إلا التمثيل، فقد تحول إلى مذيع ومحاور فى البرامج التليفزيونية، ومحلل ومعلق سياسى على الأحداث، وناقد فنى، وموديل إعلانات، وقريباً ربما نشاهده موديل فى كليبات الأغانى.
تلك الملاحظات رصدها أغلب المصريون، خصوصاً مع كثافة إعلانات رمضان، التى كان الفنانون القاسم المشترك الأعظم فيها بأداء تمثيلى نفتقده فى الإنتاج السينمائى الحقيقى الغائب عن شاشتنا المصرية منذ فترة طويلة.
قفشات المصريين عن إعلانات الفنانين كثيرة جداً، منها مثلاً «الحمد لله محمد رمضان عمل الموسوعة الرمضانية علشان محدش يسأله عن أعماله الفنية»، و«الحاجة غادة اولادها الحمد لله بيصوموا السنة دى»، أما هنيدى فـ«طلع واد خلاصة لاصة»، وتامر حسنى «حرق الكفتة من الخضة»، وكندة «طلعت بتعرف تطبخ وحتخلى جوزها يغسل المواعين»، والحاجة دلال «بتقول لسة بتشرب ميه وسخة معلش»، أما شيرين «فالحمد لله غيروا لها مشهد فى الإعلان، علشان الزوايا ماكانتش مظبوطة فى المشهد الأولانى».
لماذا أقبل الفنانون المصريون على الإعلانات بهذه الكثافة؟ ربما يقول البعض إن هذا أمر طبيعى فى بلاد كثيرة. لكن أن يصبح الإعلان والعمل فى البرامج والتحليل والنقد، فهو أمر مثير للتساؤل، خصوصاً أننا لا نتابع إنتاجاً فنياً متوازناً على مدار العام، قدر ما نتابع جملة من المسلسلات الكثيفة خلال شهر واحد «رمضان» وينتهى الأمر بعدها، واللافت أن الفنان الواحد يشارك فى الكثير من الأعمال بصورة تربك المشاهدين.
واضح تماماً أن مشكلات السينما المصرية تتفاقم من دون حل، ونتذكر جميعاً أن الحكومات المتوالية فى آخر عشر سنوات من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك وحتى الآن، تبحث مشكلات السينما المصرية والإنتاج والتعثر الحاصل، الذى أدى إلى تدهور واحدة من أهم الصناعات الوطنية وأهدر واحدة من أهم أدوات القوى الناعمة المصرية، التى تمكنت من فرض نفسها على العالم العربى فى مراحل مختلفة، وأسهمت بقسط وافر فى تحقيق التقارُب والتقدم بين شعوب المنطقة.
أعتقد أن العمل الجاد وليس «المظهرى» لإزالة المعوقات من طريق السينما المصرية سيؤدى إلى نتائج مبهرة تفوق القدرة على توقعها أو تخيلها، ولا يجب الاعتداد بالقول إن أزمة السينما تتضاءل أمام طوفان الأزمات التى نعيشها، فالفن وسيلة مهمة لتقوية تماسك الشعوب وتوعيتها بمصالحها.
إذا ما وجد الفنان المصرى المجال متاحاً لإنتاج فنى متنوع متعدد طوال العام يستوعب طاقته وقدراته، وقتها ربما يتفرّغ للعمل الإبداعى ويزداد تألقاً وخبرة، بدلاً من التشتّت بين شاشات التليفزيون فى البرامج والحوارات والتحليلات السياسية وموديلات الإعلانات.
كل عام وأنتم بخير.