فى الخامس من رمضان 1438هـ الموافق 31 مايو 2017م، صدر قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017م، وقد استحدث هذا القانون حكماً جديداً خاصاً بما يسمى «المسئولية المجتمعية للمستثمر»، فوفقاً للمادة 15 الفقرة الأولى من القانون المشار إليه، «يجوز للمستثمر تحقيقاً لأهداف التنمية الشاملة والمستدامة تخصيص نسبة من أرباحه السنوية لاستخدامها فى إنشاء نظام للتنمية المجتمعية، خارج مشروعه الاستثمارى، من خلال مشاركته فى كل المجالات الآتية أو بعضها: 1- اتخاذ التدابير اللازمة لحماية البيئة وتحسينها. 2- تقديم خدمات أو برامج فى مجالات الرعاية الصحية أو الاجتماعية أو الثقافية أو فى أحد مجالات التنمية الأخرى. 3- دعم التعليم الفنى أو تمويل البحوث والدراسات وحملات التوعية التى تستهدف تطوير الإنتاج وتحسينه بالاتفاق مع إحدى الجامعات أو مؤسسات البحث العلمى. 4- التدريب والبحث العلمى».
والواقع أن الأنظار فى مصر منذ ثورة 25 يناير اتجهت وبقوة إلى رجال الأعمال، لا سيما فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى يمر بها الاقتصاد المصرى وتدنى دخل السياحة وغيرها من القطاعات الحيوية الأخرى، وغالباً ما يتم توجيه الدعوات والنداءات إلى رجال الأعمال المصريين بالتبرع لصالح «صندوق تحيا مصر» أو لغيره من المؤسسات والمرافق التى تعانى من ضعف التمويل الحكومى.
ومع ذلك، يمكن القول إن مفهوم الدور المجتمعى لرجال الأعمال ما زال غائباً فى المجتمع المصرى، وربما يعود ذلك إلى عدم الوعى الكامل لدى رجال الأعمال بأهمية هذا الدور والآثار الاقتصادية التى تعود عليهم من جراء القيام به، إذ يؤدى قيام الشركات بدورها تجاه المجتمع إلى تحسين الصورة العامة لها ومنتجاتها وزيادة حجم المبيعات وإخلاص العملاء لشراء هذه المنتجات، وقد أشارت دراسة قامت بها «منظمة تسخير الأعمال التجارية لصالح المسئولية المجتمعية» فى الولايات المتحدة الأمريكية إلى أن الشركات التى توازن بين مصالحها ومصالح حاملى الأسهم تحقق معدلات نمو ومعدلات توليد عمالة ماهرة تفوق الشركات الأخرى بنسبة أربعة أضعاف، وفى مقال منشور فى 12 مارس 2015م، ذهبنا إلى ضرورة وضع آلية تكفل تشجيع رجال الأعمال على ممارسة نوع من الدور المجتمعى، وبحيث تصدر الحكومة المصرية تقريراً سنوياً عن أكثر رجال الأعمال وأكبر الشركات تبرعاً، على أن يتم التركيز على نسبة التبرع مقارنة بالدخل أو الربح الذى حققته الشركة، وذلك على غرار التقرير الذى تصدره لجنة المساعدات الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية (OECD) عن أكثر الدول المانحة للمساعدات الإنمائية مقارنة بدخلها القومى، وقد ذهبنا فى هذا المقال إلى أن من شأن هذه الآلية أن تسهم فى إبراز الدور المجتمعى للشركات، الأمر الذى يؤثر فى نظرة جمهور المستهلكين إليها، ويسهم بالتالى فى زيادة إقبالهم على شراء السلع التى تنتجها الشركات الأكثر تبرعاً، ومن هنا، سيجد رجال الأعمال المصريون أن مصلحتهم تقتضى ممارسة دور مجتمعى تجاه أبناء وطنهم.
وحسناً فعل قانون الاستثمار المصرى الجديد بتبنى هذا الرأى، حيث عمد المشرع إلى النص على بعض الآليات المحفزة لرجال الأعمال على الاضطلاع بمسئولياتهم المجتمعية. فوفقاً للمادة 15، الفقرة الثانية من هذا القانون، «يعد ما ينفقه المستثمر من مبالغ فى أحد المجالات المنصوص عليها فى الفقرة السابقة بما لا يجاوز نسبة (10%) من أرباحه السنوية الصافية من التكاليف والمصروفات واجبة الخصم وفقاً لنص المادة (23) (بند 8) من قانون الضريبة على الدخل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 2005»، وتنص الفقرة الثالثة من المادة ذاتها على أن «يجوز للوزير المختص بالتنسيق مع الوزارات المعنية إنشاء قائمة لأفضل المشروعات الاستثمارية التى تقوم بأنشطة تنمية مجتمعية سواء من الناحية الجغرافية أو القطاعية أو غيرها ويعلن عنه للرأى العام».
والمأمول هو أن تجد هذه الأفكار طريقها إلى التطبيق الفعلى، بحيث يتم تدشين «مؤشر وطنى للمسئولية المجتمعية»، يقوم برصد المساهمات الاجتماعية للشركات ورجال الأعمال، ويتم إعلان نتائج هذا المؤشر سنوياً للرأى العام، وربما يكون من المناسب استحداث «وسام الخدمة المجتمعية»، ويمنح لأعلى الشركات إسهاماً فى خدمة المجتمع. والله من وراء القصد.