فى العام الماضى تماماً كهذه الأيام، كتبت مقالاً هنا بجريدة «الوطن»، بعنوان «اختطاف وطن»، عن اختطاف الأطفال والكبار والرُّضع. لم يتغير الأمر إلا من خلال ازدياد أعداد المخطوفين وتوحّش الخاطفين وجرأتهم المتبجّحة.
مشهدان يتصدّران الموقف بجانب مشكلاتنا وتحدياتنا اليومية، ليس مقصوداً بهما سوى هذا الوطن، (شهداؤنا على الجبهة الخارجية والداخلية وضحايا الاختطاف)، لأن المقصود هو قنص روح المواطن، وهزيمة أيامه ومن ثمّ النيل من البلاد، فالوطن مواطن بالأساس، وعندما تغتال الروح المعنوية لسكانه فقد نلت منه، هى حرب باردة لعينة، تشارك بها مافيا الأعضاء والسلاح والمخدرات العالمية وأذرعها الداخلية، لتمسك برقابنا وتكتم أنفاسنا.
تعامل الدولة مع هذا الملف (الخطف) ليس على قدر خطورة الموقف، إن تجاهله إعلامياً لا يعنى أنه غير موجود، بل يفتح باب البلبلة واللغط ويُفسح المجال للذعر والقلق والخوف، فمن أغلى من فلذات الأكباد وحصاد العمر لنناقش أمنه وأمانه ونطمئن عليهم!
يدهشنى أيضاً عدم اهتمام مجلس الشعب بالموضوع، رغم نشاط أعضائه الدائم واقتراحهم مشاريع قوانين غريبة ومذهلة فى أحيان كثيرة، أما آن لهم أن يلتفتوا إلى هذه الظاهرة البغيضة!! باقتراح مشاريع قوانين حازمة صارمة بهذا الشأن، لردع الفاعل!!
كان يمكن تجاهل الأمر أو تقزيمه، لولا أننا فى عصر لا ينفع معه هذا الإجراء، ببساطة لأن وسائل التواصل الاجتماعى جعلت الإعلام الحقيقى على صفحاتها هى، فقد أصبح كل فرد بمثابة قناة تليفزيونية مستقلة حرة تبث وتذيع وتعيد نشر، وتكتب تعليقها المناسب، لهذا وجب التعامل مع هذا الغول المفزع بطريقة بها نوع من التشخيص والتحليل والتفصيل، ومن ثم البتر النهائى، فعندما تنتشر صور وعناوين وفيديوهات القبض على تجار الأعضاء فى وسائل التواصل الاجتماعى، أو فيديوهات إلقاء الأهالى القبض على أحد الخاطفين بمكان ما، أو عندما يتناقل المعارف والأصدقاء قصصاً حقيقية طلب بها مبالغ كبيرة كفدية وتفاصيل المعاناة المهولة لأصحابها، لا ينفع حينها الإنكار أو التجاهل!!
الحل فقط فى النقاش والتوضيح والتوعية، والتحذير والتنبيه، ثم تغليظ عقوبة الخطف إلى الإعدام العلنى والمذاع على التليفزيون الرسمى للدولة وتفعيل الاتفاقات الدولية التى تعاقب بحزم وسرعة المجرمين الدوليين من تجار الأعضاء ومافيا قطع الغيار الآدمية وتواصل واتصال دولى بشأن قوة عقوبة المجرمين الدوليين، سواء كانوا تجار الرقيق الأبيض أو قطع الغيار الآدمية، ونقل الأعضاء أو الأطباء القائمين على هذه الزراعات الملعونة.
يمكن للمواطن أن يتحمّل أى ظرف، إلا أن يتحمّل ألا يأمن على فلذات أكباده، الأمر يحتاج إلى نوع آخر من التفاعل، مفاده سن قوانين جديدة وتفعيلها، وإعلانها وتنبيه الناس بها بالقنوات والإذاعات الرسمية. فما دام الخاطف لا يخشى العقاب، ويعلم أنه يسجن لمدة ثم يخرج، فلن يفلح علاج الأمر.
الخاطف بالأساس مجرم تجرّد من كل علامات الإنسانية، هو مجرم مشوه نفسياً لديه استسهال كسب المال الحرام وعدم الاكتراث بعواقب الأمور، ولا يبتعد ظل المخدرات أبداً عن الموقف، هى سلسلة واحدة وعلاجها يجب أن يكون بالتوازى، علاجاً قانونياً واجتماعياً وتنفيذياً.
أثق بقدرات وإمكانات أجهزة الدولة الجنائية، وأعلم جيداً أن من يستطيع الوصول إلى جناة الإرهاب خلال ساعات معدودة والتوصل إلى هويتهم من مجرد قطع تناثرت من أجسادهم الآثمة، قادر بكل سهولة ويسر على حصر وتتبّع وجز شأفة عصابات الخطف الحقيرة التى تخطف الأمان من أيامنا، كأن تكون حملة مكثفة يشترك بها المواطن مع الدولة، ولا تتوقف إلا بانتهاء هذا الكابوس.