حين صاغ الدكتور خالد منتصر بعض الملاحظات الموضوعية حول أفكارى وكتاباتى وصراع الفاشية والديمقراطية وقضية المصالحة الوطنية، تعاملت مع ملاحظاته بجدية وناقشتها تفصيلياً مبيناً انتقائيتها وصيغتها الاتهامية الواضحة التى خلطت بين الدفاع عن الحريات والحقوق والادعاء الزائف بتسويق الإخوان.
وعوضاً عن مواصلة بعض النهج الموضوعى، تورط الدكتور منتصر فى «رده على ردى» (تحت عنوان: د. حمزاوى وإخوان الفرز الثانى) وبمرضية مَن يريد احتكار الكلمة الأخيرة فى تكرار ما كتبه فى مقالته الأولى (د. حمزاوى بين عزل «الوطنى» وتسويق الإخوان) مقروناً بتسطيح شديد وبهجوم شخصى وما كنت أتمنى له أن يقع بهذه الأخطاء التى دوماً ما تدلل على غياب الموضوعية وضعف الحجة والبرهان.
أما التسطيح الشديد فجعل من الدكتور منتصر نموذجاً صريحاً للاستبداد الفكرى ولتبرير فاشية الإقصاء والانقلاب على قيم الديمقراطية، لم يجد ما يحاجج به بموضوعية، فتحول إلى ممثل الادعاء العام والقاضى والجلاد لينزع الوطنية بجرة قلم عن الإخوان دون تمييز بين قيادات تورطت فى القمع والعصف بسيادة القانون والتحريض على العنف وبين قيادات أخرى وأعضاء فى الجماعة وحزبها لم يعرف عنهم ذلك.
التسطيح الشديد دفع الدكتور منتصر إلى أحضان «عدالة الفاشيين وطيور الظلام» التى تجتذب اليوم قطاعات شعبية واسعة، ولم يمكنه من التعامل الهادئ مع تأكيدى على ضرورة المحاسبة القانونية المنضبطة للمتورطين فى الاستبداد والقمع والعصف بسيادة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان من الحزب الوطنى والمجلس العسكرى إلى جماعة الإخوان قبل المصالحة.
هنا استحال التسطيح من جهة إلى عبارات غير متماسكة ولغو (عن سمسار وخاطبة وطبيب وعويس ومحمدين وبهانة)، ومن جهة أخرى إلى تجهيل عمدى وتزييف لوعى القراء وللرأى العام بشأن حقيقة مواقفى خلال الفترة الماضية.
والتجهيل العمدى وتزييف الوعى، وهما لا يليقان بمن يحمل مسئولية الكلمة والقلم، يظهران بجلاء حين يسأل الدكتور منتصر عن موقفى من عصف الدكتور محمد مرسى بسيادة القانون وانتهاكات حقوق الإنسان وأنا من أوائل من سجلوا قولاً وكتابةً (وفى زاويتى هذه بالوطن) أن الشرعية الأخلاقية والسياسية للرئيس المنتخب انهارت لهذه الأسباب وطالبت بانتخابات رئاسية مبكرة.
التجهيل العمدى وتزييف الوعى يظهران بجلاء فى التساؤل عن موقفى من إعلان ٢١ نوفمبر ٢٠١٢ وأنا أول من وصفته فى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢ بإعلان الاستبداد الرئاسى (فى برنامج «آخر كلام» مع الإعلامى يسرى فودة وكتابةً فى «الوطن») وجددت المطالبة بالانتخابات المبكرة.
التجهيل العمدى وتزييف الوعى يظهران بجلاء فى الحديث عن موقفى من دستور ٢٠١٢ بصيغة: «أين كنت» وأنا شاركت بقوة فى معارضة الجمعية التأسيسية الباطلة والنصوص الدستورية حين وضعها لتعارضها الواضح مع الحريات والحقوق والديمقراطية والمواطنة والمساواة الكاملة بين الأقباط والمسلمين وبين النساء والرجال، بل وتصدرت قولاً وكتابةً الدفاع عن ضرورة الالتزام بالمواثيق الدولية للحريات وللحقوق، من حقوق الطفل والمرأة إلى الحريات الدينية دون تمييز بين أتباع الديانات السماوية والديانات الوضعية، وتحملت حينها حملة اليمين الدينى المسعورة التى كفرتنى وخونتنى وطالبت بمحاكمتى، بينما لاذ جموع الليبراليين والمدافعين عن الدولة المدنية بالصمت ومكالمات التأييد الشخصية.
وأما الهجوم الشخصى، والذى أؤكد للرأى العام أنه وبغض النظر عن مصادره والألسنة والأقلام المروجة له لا يزيدنى إلا تماسكاً واقتناعاً بأفكارى ورفضاً للعزف على موجات الفاشية والإقصاء، فأسقط الدكتور منتصر فى لغو غير أخلاقى وخلط بين العام والخاص وبهما قطع الخطوة الأخيرة فى تقديم النموذج الصريح للاستبداد الفكرى والتبرير لفاشية الإقصاء، فأنا إما أتورط فى نزع الوطنية عن جموع المنتمين للإخوان ولليمين الدينى دون محاسبة منضبطة أو أصبح من «شاربى الشاى بالياسمين» أو من ماسكى العصا من المنتصف والبهلوانات.
وأنا إما أقبل توصيف الإخوان جميعاً كقطاع طرق ومجرمين أو أعاير بلا أخلاقية متناهية بالحادث الإجرامى الذى تعرضت له و«بسمة» منذ عامين ويستدعيه الدكتور منتصر على نحو مخزٍ، وأنا إما أكون «مع» الدكتور منتصر ورفاقه من المهللين لتدخل الجيش فى السياسة والصامتين على تقييد الحقوق والحريات، أو أصبح «ضد» هؤلاء وعدواً للوطنية.
استبداد بائس وفاشية كفاشية بوش «مَن ليس معنا فهو ضدنا» رأيتها قادمة وحذرت منها قبل ٣٠ يونيو، أيضاً هنا فى هذه الزاوية.
الابتعاد عن الموضوعية ولغو الهجوم الشخصى وغير الأخلاقى، التجهيل العمدى وتزييف وعى القراء بشأن أفكارى ومواقفى، الاستبداد الفكرى وتبرير فاشية الإقصاء هى أمور عادة ما لا تستحق الرد، إلا إننى وإزاء مسئولية الكلمة والقلم تعاملت معها هذه المرة، لكيلا يترك الرأى العام فريسة لطيور الظلام.
ولهؤلاء أسجل: «أمثال حمزاوى» لا يخافون ولا يهابون المواجهة وإيمانهم بأفكارهم وبمبادئ الديمقراطية غير القابلة للتجزئة وبثورة يناير التى لم تكن هوجة، لن يتراجع، لا لحسابات سياسية وموازين انتخابات ولا مع تصاعد حملات الهجوم المسعورة، فلتذهب سياسة الأكاذيب وتجزئة المبادئ إلى الجحيم، ولتختفِ الدوائر الانتخابية من خارطة ضميرى ودورى العام، إن كان السبيل الوحيد هو الصمت عن الفاشية، ولتتثبت طيور الظلام مجدداً أن استمرار هجومها لن يزحزحنى عن موقعى قيد أنملة، بل سيورطها هى أكثر وأكثر فى التسطيح الشديد ولغو الهجوم الشخصى ويفقدها، من ثم، بريق المصداقية الزائف.