حدث انحراف فى فهم حديث: (ستفترق أمتى إلى بضع وسبعين شعبة كلها فى النار إلا واحدة)، إذ ليس معناه أن المسلمين سوف يتفرقون إلى أكثر من سبعين فرقة كلها فى النار إلا واحدة، ولو كان هذا هو المقصود لتناقض مع آية: (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، فكيف تكون خير أمة وفى نفس الوقت هى الأكثر تفرقاً والأكثر فى النار؟! والصحيح أن الفرقة الناجية هى كل فرقة آمنت بالله، لأن كلمة (أمتى) مقصود بها أمة الدعوة يعنى (العالم كله)، وليس أمة الإجابة الذين هم (المسلمون).
وأما التيارات الإسلامية من إخوان وسلفيين فانحرفت فى فهم الحديث، واعتبرت نفسها الفرقة الناجية والباقى فى النار، فيذهب سعيد حوى إلى أن جماعة الإخوان هى الناجية من النار حين تدخلها جميع الفرق، انظر كتابه: (دعوة الإخوان المسلمين)، دار الأرقم، عمان، ط2، سنة 1979م، ص21، وفى مجلة التوحيد السلفية نقرأ: «عقيدة أنصار السنة مستمدة من الفرقة الناجية، ولا يجوز مخالفتها»، انظر: (مجلة التوحيد)، العدد 6، جمادى الآخرة، 1414هـ، السنة 26، وكلها أفهام مغلوطة، وقد تنبه غير واحد إلى الفهم الصحيح، مثل الدكتور «عادل عزيزة» فى كتابه: (الفرقة الناجية هى الأمة الإسلامية)، و«سقاف بن على الكاف» فى كتابه: (الفرقة الناجية)، لكن يظل العلامة المصرى الكبير محمد عبدالباعث الكتانى أفضل من كتب فى المسألة فى كتابه: (إبراء الذمة بتحقيق القول حول افتراق الأمة)، حيث ذكر عدة أدلة على أن الافتراق الواقع هو فى أمة الدعوة وليس أمة الإجابة، منها:
1- الاستثناء الوارد فى الحديث هو (ما عليه أنا وأصحابى)، (الجماعة)، (السواد الأعظم)، (الفرقة)، (الملة)، وكلها ألفاظ تشعر بالعموم، وأن المقصود بها كل من آمن بالله، يؤيد ذلك الأحاديث التى تفسر الاستثناءات على أنها جماعة المسلمين، مثل حديث: «عليكم بالجماعة والعامة والمسجد»، فانظر كيف أن السياق النبوى الشريف دلّ على أن الجماعة هى المسلمون، وليس فرقةً منهم، وذلك بالعطف.
2- حديث: «والذى نفسى بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى، قالوا ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعنى دخل الجنة، ومن عصانى فقد أبى»، والإباء هنا لا يُراد به مجرد الانصراف عن سنته، بل يُراد به الانصراف الكامل عن اتباع الدين (ونشر القتل والتخريب والإرهاب)، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «لا يبقى أحد من هذه الأمة إلا دخل الجنة، إلا من شرد على الله كشراد البعير».
3- حديث: «أمتى هذه أمة مرحومة»، وحديث: «وعدنى ربى أن يُدخل الجنة من أمتى سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألفٍ سبعون ألفاً».
ولكى نفهم أن حديث: «ستفترق أمتى» عالمية للإسلام وليس تفريقاً للأمة، نلحظ أن الأمم السابقة انقسمت إلى فريق آمن بالله فنجا، وفريق لم يؤمن فهلك، حدث ذلك مع قوم نوح ولوط وعاد وثمود وغيرهم، واختلف الأمر مع رسول الله، فإن من آمن به نجا (أمة الإجابة)، ومن لم يؤمن به لم يهلك، وعاش سالماً موصولاً بالمودة والمحبة وكامل الحقوق، ونحب لأنفسنا ما نحب له، وإذا كان شرعنا حرّم إيذاء الحيوان، ورتّب الجنة لمن أكرم كلباً، فما بالنا بإكرام أخ فى الإنسانية والوطن والعمل والجوار والألم والأمل، كما أن الجنة والنار بيد الله، لا يجوز لواحد أن يقرر أن فلاناً فى الجنة أو فى النار، وأن التميز والتقدير إنما يكون لأكثر الناس نشراً لمبادئ المحبة والإخاء والعدالة والوطنية وعمارة الأرض وإسعاد الناس ونشر ثقافة الإحياء أياً ما كان معتقده أو دينه الذى يؤمن به.