هى رواية الدكتور محمد كامل حسين، الطبيب وأستاذ طب العظام المولود فى عام 1901 والمتوفى فى عام 1977، عن الأيام الأخيرة للسيد المسيح والصراع المعقد بين الخير والشر على المستويين الفردى والجماعى الذى وجد به بنو إسرائيل وأتباع السيد المسيح والحكام الرومان أنفسهم حين حكم بالصلب على نبى الله عيسى. وتحوى «قرية ظالمة» والتى صدرت فى أواسط القرن الماضى وقرأتها فى طبعتها الأولى من دار الشروق عام 2007، بين طياتها فقرات وملاحظات عن صراع الخير والشر وتناقضات ضمير الفرد وضمير الجماعة، رائعة فى عمقها الأخلاقى والإنسانى ودقة صياغتها. وقد ارتأيت أن أعرضها على قراء زاويتى الكرام، علّها تنير لنا شيئاً من المسارات المظلمة والمتعرجة التى نجد أنفسنا بها اليوم.
عن الجماعات حين تقمع ضمائر أفرادها: إن ضمير الفرد لا يمنع أن ترتكب الجماعة أعظم الذنوب، ما دامت تُرتكب باسم الجماعة. والضمير وحده هو الذى يصرف الناس عن الشر، والجماعات لا ضمير لها، ولا يزعج ضمير أحد من أفرادها ما ترتكبه جماعته، مهما يكن الإثم عظيماً (صفحة 27-28).
عن مصدر الأخطاء الكبرى للإنسان: إنه يظن فى نفسه القدرة على أن يرى المستقبل بعقله، ويخيل إليه أنه يستطيع أن يهيئ الأسباب التى تؤدى به إلى غايات بعينها، وهو تقدير كل عناصره خطأ. ولو أنه دبر أمره على ما يوحيه إليه ضميره حاضراً، ولم يسرف فى الثقة بما يصوره له عقله من نتائج بعيدة لقل خطؤه (صفحة 31).
عن المبادئ والصدق حين يواجهان السياسة وأكاذيبها: وأنا لا أريد أن أكذب على العامة فأصبغ لهم رأياً بعينه صبغة الحق الثابت، ولا أريد أن أموه عليهم، ولو كان ذلك خيراً لهم. وإذا كنتم ممن يرون أن الكذب تسوغه السياسة، فاعلموا أن ذلك إنما يرجع إلى ما اختاره رجال السياسة لأنفسهم، فهم يختارون أسهل السبل وأقربها إلى بلوغ غاياتهم. وأقلها مشقة. وإنك لتراهم يتهافتون على الكذب ويتسابقون إليه، حين يكون أسهل السبل إلى غاية يريدونها. ولو اتبعوا سبيل الصدق لبلغوا هذه الغايات على ما قد يكون فى طريقهم من مشقة وصعاب. وإذا كان من رجال الدين من يرى رأى أهل السياسة، فذلك أنهم يضعون السياسة فوق الدين، أو يضعون سياسة الدين فوق الدين نفسه، وهذا هو الضلال المبين (صفحة 41-42).
عن السياسة وممارسيها الذين يلهثون وراء رغبات الثأر والانتقام الجماعى لدى من يحكمون: أما رجال السياسة.. (ف)لا يرجى منهم إصلاح، بل الإصلاح عليهم مستحيل، ذلك أن السياسة عند أهلها غايتها تحقيق الممكن، أما الإصلاح فهو تحقيق ما يبدو أنه غير ممكن، فكيف يتفقان.. إن السياسيين أجهل الناس بما يتولون من أمر، وإن عظماءهم قوم يسايرون الحوادث ويحسبون أنهم يسيّرونها، ويخضعون للعامة ويحسبون أنهم الأعلون، ما دام لهم من العظمة مظهرها (صفحة 55).
عن صراع الخير والشر وعلى لسان فيلسوف (قيافا) تورط فى الحكم والسياسة: أما ضعف الطبيعة الإنسانية الذى يقلب الخير شراً، ويخلط بين الحق والباطل فلم يكن يجوز عليه، لأنه لم يكن يستمع إلا إلى الضمير خالصاً، ومن اهتدى بهدى ضميره وحده فلن يضل أبداً (صفحة 67).
عن علماء بنى إسرائيل الذين أدركوا خطأ حكمهم على السيد المسيح بالصلب وعلاقتهم برغبات الثأر والانتقام الجماعية: وكانوا يخشون أن يخرجوا إلى الناس معترفين بخطئهم، معلنين التوبة، فإن مثل هذه الشجاعة قد يستطيعها بعض الناس أفراداً، ولكنها على الجماعــــــة ضــرب من المحال، لأن الجماعـــة أقدر على الاندفــــاع منها على التعقل، وأقــــدر على التمادى فى الباطل منها على الرجوع إلى الحـــق (صفحة 77).
عن الحق والقوة وعلاقتهما المركـــبة وعلى لسان حواريى السيد المسيح: ودعوتم إلى نصرة الحق بالقوة، وما ذلك إلا لأنه اختلط عليكم موقف الحق من القوة. الحق له حدود طبيعية، بل هو هذه الحدود نفسها. والقوة من طبعها أن تتخطى الحدود ما استطاعت، فإذا رأيتموهما يسيران جنباً إلى جنب فذلك إلى حين، والذين يدافعون عن الحق بالقوة لا يلبثون إلا ريثما يبلغون ما يريدون ثم تصبح القوة وحدها رائدهم، ودعوى استعمال القوة لبلوغ الحق دعوى قصيرة الأمد لا تلبث إلا قليلاً، ثم تصبح الدعوة إلى القوة سافرة حين تكون فى غير حاجة إلى مسوغ من الحق.. (صفحة 131).