يُتداول على الألسنة كثيراً فى الآونة الأخيرة مصطلح «تمكين» مقروناً بلفظ المرأة، حيث يقال «تمكين المرأة» (Women’s Empowerment). وقد يرد مصطلح «التمكين» مقترناً بكلمة «الشباب»، فيقال «تمكين الشباب» (Youth Empowerment). والتمكين لغة اسم مصدر من الفعل «مكن». يقال: مكَّن له فى الشَّىء، أى جعل له عليه سلطاناً وقدرة. يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِى الأَرْضِ﴾. والتمكين اصطلاحاً يعنى زيادة القدرة الروحية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للأفراد والمجتمعات. وفى المجتمعات المعاصرة، تتصاعد الدعوات الرامية إلى «تمكين المرأة» و«تمكين الشباب»، وذلك بالنظر لضعفهم، مقارنة بالرجل أو بالأشخاص الأكبر سناً الذين يكونون فى الغالب أكثر مالاً وأعلى نفوذاً.
ولكن، من النادر فى عالمنا العربى أن نسمع عبارة «تمكين ذوى الاحتياجات الخاصة» أو «تمكين ذوى الإعاقة أو المعاقين»، وذلك على الرغم من أنهم من الفئات الضعيفة أو المهمشة التى تستحق قدراً أعلى من عناية المجتمع ورعايته. كذلك، يلاحظ أن الدستور المصرى الحالى كرس إحدى مواده لتمكين المرأة، مقرراً التزام الدولة بالعمل على اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان تمثيل المرأة تمثيلاً مناسباً فى المجالس النيابية، كما تكفل للمرأة حقها فى تولى الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا فى الدولة والتعيين فى الجهات والهيئات القضائية، وتكفل تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل (المادة 11 من الدستور). على النقيض من ذلك، لم يحظَ كل من تمكين الشباب وتمكين ذوى الاحتياجات الخاصة بذات القدر من الرعاية والاهتمام، بحيث اقتصر الأمر على أحد الأحكام الانتقالية، وهو الحكم الوارد فى المادة 244 من الدستور. فوفقاً لهذه المادة، «تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة والمصريين فى الخارج، تمثيلاً ملائماً فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور...».. وهكذا، اقتصر التزام الدولة فيما يتعلق بتمكين «الأشخاص ذوى الإعاقة» على تمثيلهم فى أول مجلس للنواب ينتخب بعد إقرار هذا الدستور، فلا يشكل ذلك حكماً دائماً. وكنا نتمنى أن يكفل المشرع الدستورى تمثيل ذوى الإعاقة بشكل دائم فى مجلس النواب، على ذات النحو الذى فعل بالنسبة لتمثيل المرأة. ويبدو أن واضعى الدستور قد ارتأوا كفاية تمثيل الشباب وذوى الإعاقة فى المجالس المحلية. إذ تنص المادة 180 الفقرة الأولى من الدستور على أن «يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالى عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسب تمثيلاً مناسباً للمسيحيين وذوى الإعاقة». وهكذا، اقتصر اهتمام الدستور المصرى على تمكين ذوى الإعاقة سياسياً فقط، دون غيره من جوانب التمكين الأخرى. والمأمول هو أن يتدارك مجلس النواب هذا الوضع، من خلال إلزام الحكومة باعتماد سياسة وطنية شاملة ومتكاملة لتمكين ذوى الإعاقة. وحبذا لو تم تضمين هذه السياسة الوطنية فى مشروع القانون الذى أقره مجلس الوزراء مؤخراً بشأن حقوق ذوى الإعاقة. فقد شهدت المفاهيم التشريعية تطوراً كبيراً، بحيث لم تعد تقتصر على مخاطبة الفرد العادى، وإنما غدت تنص على التزام الحكومة نفسها باعتماد بعض خطط وبرامج العمل. ولعل إصدار «قانون القراءة» فى دولة الإمارات العربية المتحدة هو خير مثال على التطور الحاصل فى فلسفة التشريع.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة اعتمدت فى شهر أبريل 2017م سياسة وطنية لتمكين ذوى الإعاقة، حيث تم الإعلان عن إطلاق مسمى «أصحاب الهمم» بدلاً من «ذوى الاعاقة». وفى بيان أسباب إطلاق تلك التسمية عليهم، قيل إن «إعاقة الإنسان هى عدم تقدمه، وبقاؤه فى مكانه، وعجزه عن تحقيق الإنجازات، وما حققه (أصحاب الهمم) فى مختلف المجالات، وعلى مدى السنوات الماضية من إنجازات، دليل على أن العزيمة والإرادة تصنعان المستحيل، وتدفعان الإنسان إلى مواجهة كل الظروف والتحديات بثبات، للوصول إلى الأهداف والغايات». وبتطبيق هذا المعيار، يمكن القول بأن كثيراً من الأصحاء جسدياً يعتبرون من «ذوى الإعاقة»، بينما ارتقى بعض ذوى الإعاقة البدنية إلى مصاف «أصحاب الهمم»، ومن ثم يكون فى وصفهم بأنهم من «ذوى الإعاقة» نوع من الظلم البين لهم.
والله من وراء القصد.