منتهى الجحود أن تأتى ذكرى ثورة 30 يونيو دون أن نتذكر بعض الشخصيات التى عجّلت بسقوط الإخوان، وراهنت بحياتها فعلياً لتحرير الوطن من الفاشية الدينية، دون أن تنتظر إلا «العدل» فى كتب التاريخ إن كان من يكتبه منصفاً.
«الفارس»: «المناضل» الحقيقى لا يختار بين حريته وحياته، لأنهما متطابقتان، فحين استمع المستشار «أحمد الزند»، وزير العدل السابق، إلى صرخات الخوف والرعب من ميليشيات الإخوان لم يتراجع عن مواقفه، بل أظهر وجه «الأسد الجسور»، كما يطلقون عليه.
قرر أن يخاطر بحياته (تعرّض لمحاولة الاغتيال أكثر من مرة) وأن يفتح قلعة العدالة (نادى قضاة مصر) لتنظيم صفوف القضاة فى مواجهة بطش الإخوان وعصفهم بالقانون والدستور.. فكان قضاة مصر هم رأس الحربة فى ثورة 30 يونيو.
أصبح صوت «الزند» وقوداً للثورة، وهو يفنّد «على الهواء» كل الادعاءات الباطلة لـ«مرسى وعصابته»، وتخصص الفضائيات ساعات لنقل كلمته وهو يكشف ألاعيبهم القذرة وجرائمهم التى يحاسبون عليها اليوم، وأولها (التخابر مع عناصر أجنبية)!.
لأول مرة يرى المواطن المصرى قاضياً يتوعد رئيس الجمهورية آنذاك المعزول «مرسى» بالملاحقة القضائية، ويصفه بالخائن فى وقت حرج تتظاهر فيه مليونيات الجماعة تحت شعار «تطهير القضاء»، وتحاصر «نادى القضاة» لتُرهب كل مؤيدى القضاة فى اعتصامهم النبيل رفضاً لعزل المستشار «عبدالمجيد محمود»، النائب العام سابقاً، وتعيين نائب عام «ملاكى» للجماعة.
كنا نرى فى المستشار «الزند» «زعيماً أسطورياً» يواجه دولة بأكملها نجحت فى فرض الفوضى على البلاد، وتحصنت بكيانات إرهابية. وبدأت عملية «محاكاة النموذج» ولو بوقفة صامتة لوكلاء النيابة العامة، أو مظاهرة غضب شعبى ضد الإعلان الدستورى الذى أصدره «مرسى» لاحتكار كل السلطات، أو بمواجهة الدروع البشرية للإخوان التى تحاصر «المحكمة الدستورية العليا».
كانت كلمات «الزند» تُلهب مشاعر الجماهير، تحرضهم على الثورة، وتبث فيهم الجسارة والشجاعة المحفورة بين قسمات وجهه، تمنح كل يائس بعضاً من تفاؤله واستشرافه لمستقبل نرى فيه قيادات الإرهاب خلف القضبان، وهو ما حدث.
لكن كل كلمة كانت بمثابة رصاصة يتصدع معها «مكتب الإرشاد»، وتنهار بها مصداقية «مرسى»، ويفقد نظام الإخوان أى شرعية لحكم مصر.
لم يكن «الزند» بحاجة إلى منصب أو إلى فرصة شراكة فى الحكم بعد 3 يوليو، لأنه بطبيعته «ثائر».. والثورة فعل لا يتسق مع برتوكولات التوزير، أما قيمته الوطنية فتتجاوز مهمة «وزير العدل»، لأنه صاغ مستقبل وطن وغيّر خريطته السياسية وحفر اسمه فى قلوب حراس العدالة بمواقفه كمقاتل شرس دفاعاً عن دولة يحميها الدستور والقانون.
قد تكون «كاريزما الزند» أوقعته فى مكائد من المتربصين به. وقد تكون شعبيته وسط القضاة وحرصه على حمايتهم من الإرهاب وعمليات الاغتيال المنظمة لكل من ينظر قضايا الإخوان أصبحت عبئاً على المنصب.. لكنه مهما احتجب عن الأضواء وابتعد عن المشهد سنظل نتذكر أنه واحد من أهم من رسموا ملامح اليوم الذى نعيشه أحراراً.
«خط الدفاع الأخير»: سقطت الدولة فى يد الإخوان، وبدأت عملية أخونة الدولة، وجاء المستشار «طلعت عبدالله»، النائب العام الملاكى للإخوان، حتى لا يكشف جرائم الإخوان.
لكن المستشار «خالد محجوب»، رئيس محكمة جنح مستأنف الإسماعيلية، المعروف إعلامياً بقاضى «اقتحام السجون»، كان يجمع أدلة الاتهام وتصدى لكل محاولات الترهيب لإغلاق القضية التى وضعت بين يديه أول خيوط كشف مؤامرة اقتحام سجن وادى النطرون، والمخطط الكامل الذى تم تنفيذه فى توقيت واحد فى سجن أبوزعبل وسجن الفيوم وسجون أخرى!
لم يستسلم المستشار «محجوب» لمحاولة النائب العام لإغلاق القضية.. وتصدى لامتناع المحامى العام لنيابات الإسماعيلية عن تنفيذ قرار المحكمة باستدعاء الشهود.. كان القاضى الجليل يعلم أنه فى سبيله لكشف أسوأ سيناريو خيانة وتآمر على الأمن القومى المصرى.
كل قرار اتخذه المستشار «محجوب» كان محفزاً لوسائل الإعلام على كشف المؤامرة، ورغم تواطؤ «دولة المرشد» لطمس معالم الحقيقة، بدأ النور يكشف خفافيش الظلام.. الذين حُكم عليهم مؤخراً بالإعدام.. لقد سلمنا «محجوب» رؤوس الإرهاب التى قامت بالتخابر واقتحام السجون.. فعرف الثوار طريقهم إلى قصر الاتحادية.
«المرأة الحديدية»: سيذكر تاريخ مصر أن عصابة الإخوان قد غيرت دستور البلاد، ووضعت نصاً دستورياً قلص عدد قضاة المحكمة الدستورية من 19 إلى 11 عضواً، خصيصاً لعزل المستشارة «تهانى الجبالى» نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا المصرية سابقاً. إنها المرأة التى وقفت ضد «مرسى» من اللحظة الأولى لتوليه رئاسة مصر، وهاجمته بشدة عقب الإعلان الدستورى فى 2012 معلنة أنه فقد شرعيته كرئيس للجمهورية.
دفعت «الجبالى» منصبها ثمناً لمواقفها، ولا أظنها نادمة، وعادت لصفوف المناضلين.. تتفق أو تختلف مع مواقفها اللاحقة على 30 يونيو.. لكنك لا تملك إلا أن تحترم تاريخها وصلابتها.. وتقدمها إلى خط المواجهة حين تراجع بعض الرجال.
هؤلاء بعض من أصدروا الحكم بسقوط الإخوان.. وجعلوا الحكم مشفوعاً بالنفاذ.. ثم ابتعدوا عن الساحة لكنهم أقوى من الغياب.