استوقفتنى فكرة خرجت من رحم كتاب شهير «من جيد إلى عظيم»، أمضى مؤلفه نحو خمس سنوات لتأليفه وباع منه ملايين النسخ، تتلخّص فكرة الكتاب فى أن عملية الانتقال فى المؤسسات من مربع (جيد) إلى (عظيم) تذهب أبعد من مجرّد بناء الاستراتيجيات طويلة الأمد إلى مواجهة التحديات الواقعية من خلال إدراج الأعمال والأنشطة المؤسسية التى تستنزف الوقت والجهد والمال بغير جدوى لتكون فى قائمة الإهمال «التوقف» كخطوة أولى للتغيير.
وفى حياتنا، لو فتحنا نافذة الفكر على المستوى الذاتى، وأطلقنا سراح ضمائرنا التى ظلّت لأمد طويل حبيسة أشخاص ومفاهيم وقناعات مغلوطة، لأدركنا حاجتنا الماسة لإدراج المئات منها فى «قوائم الإهمال». ولنا أن نرصد على فترات زمنية متباينة من حياتنا ما هى الأمور التى يجب أن نتوقف عنها حياتياً وفكرياً وسلوكياً للانتقال إلى مربع أفضل روحانياً وصحياً ومهنياً وعائلياً وعلمياً وعملياً ومجتمعياً ومادياً. لا تتفاجأ إن طالت القائمة، لكننا يمكن اختيار أهم ثلاث قوائم لندرك الهوة الكبيرة بين دائرة الوهم والسلبية ودائرة الواقع والإيجابية.
يندرج فى قائمة الإهمال الأولى كل من لا يستحق أن نوليه أهمية فى عملية التواصل وإدارة توقعاتنا. فهل كل ما نقرأه أو نسمعه يستحق الرد؟ وهل كل ما يصلنا يستحق شغل ذاكرة عقولنا وهواتفنا؟ كم من الساعات التى استنزفت فى غير مكانها؟ تحديداً تلك التى ذهبت سدى على منصات التواصل الاجتماعى؟ كم عدد من (نتوقع) منهم أفعالاً ومواقف واعترافاً بحق لنا ونمضى العمر معهم فى معركة إدارة التوقعات والانتظار لسنوات، ثم نكتشف متأخراً أنه قد طال بنا الانتظار، وأهدرنا سنوات فى إقناع الآخر بشروق الشمس من مشرقها، بينما لا يرى هو شروقها إلا من فوّهة السماء الأرجوانية التى تبتلع الشمس وقت الغروب! هل كان التغافل والتغاضى الإيجابى أوْلى أم التناحر والتباغض وحوار الطرشان أفضل؟ ألم يكن أجدى وأنفع لو أدرجنا هؤلاء فى قائمة الإهمال؟
أما قائمة الإهمال الثانية، فهى إصرارنا على الاستمرار مع أصنام العمل المتغطرسة المتكبرة المتعالية المتجاهلة والمحتمية فى الرتبة الوظيفية. يمضى أحدنا حياته لسنوات يتحدث عن رئيسه فى العمل الظلوم الجهول أو زميله الحاسد الحاقد الغيور، ويمتد الأمر لتعلق سلبية هؤلاء بنا ومعنا وبدواخلنا صباح مساء؛ يشاركوننا العمل والبيت والعطلات والأعياد وكل مناحى حياتنا بتكرار الحديث عنهم، ألم يكن من الأجدى أن ينضموا إلى قائمة الإهمال، وألا نلتفت إلا إلى صانع (التغيير) فى ذاتنا لنكتشف فى أنفسنا كم من موطن قوة أغفلناه، وكم أضعنا من وقت كان يمكن استثماره فى دراسة أو قراءة أو رياضة أو مشروع يبعدنا عن الشوائب السلبية إلى الإيجابية الحياتية. ألم يكن أجدى وأنفع لو أدرجنا هؤلاء فى قائمة الإهمال؟
قائمة الإهمال الثالثة، مرتبطة بأوجاع وتحديات شركة الزواج الفاشلة، فقد يرى أحدهم ولسنوات ممتدة أنه أتعس التعساء بهذا الزواج وأنه يمضى حياة المظلومية، إضافة إلى التقوقع فى دوائر الجدال والسجال والأزمات والمواجهات؛ وهكذا تتساقط منه أو منها سنوات العمر القصيرة، بل تمتد المعارك لتصيب النيران الصديقة الأبناء لتكون الخسائر مضاعفة.. ألا تقتضى الحكمة بناء شراكة إيجابية بمداد الاحترام والارتقاء لكلا الطرفين، أو إنهاءها ودياً تجنباً للانتحار الحياتى. ألم يكن أجدى وأنفع لو أدرجنا مؤسسة الزواج الفاشلة فى قائمة الإهمال؟
أيها السادة.. سارعوا إلى بناء قوائم الإهمال وتخزينها فى ذاكرة النسيان، واسعوا لحياة الإيجابية وراحة البال بالتوقف عن أعمال بعينها، وليس بالهروب للأمام نحو الأوهام!!