«الشهداء المركزى».. يتصدر أسوأ تقييمات وزارة الصحة بـ«الصوت والصورة»
الفوضى أمام مستشفى الشهداء المركزى
يعانى القطاع الصحى فى المنوفية العديد من أوجه القصر؛ ما بين إهمال طبى، وعدم نظافة، وغياب الأمن، وعدم توافر المستلزمات الطبية، ونقص الإمكانيات والتخصصات بدرجات مختلفة من مستشفى إلى آخر، حيث تحاول إدارات المستشفيات المختلفة التغلب على تلك الأزمات فى حدود المتاح لديها من إمكانات مادية وعلاجية وبشرية، وتسعى جاهدة للضغط على مديرية الصحة والوزارة لتوفير الدعم وتعويض النقص والعمل على حل المشكلة.. إلا أن المشهد يبدو مختلفاً فى مستشفى الشهداء المركزى، الذى يخدم نحو ربع مليون مواطن بالمركز وآلاف المرضى بالقرى القريبة منه، حيث ذاع صيته وسط الأهالى عن سوء خدمته العلاجية، والإهمال المتعمد من قبَل الأطباء للمرضى، وتكرار شكاوى المواطنين المتعاملين معه. وحسب مصدر مسئول بمديرية الصحة بالمنوفية، فإن المخالفات التى جرى رصدها مراراً داخل المستشفى موثقة بالصوت والصورة.
حاولنا الوقوف على حقيقة الوضع بالمستشفى وأمضينا داخله عدة ساعات، واستمعنا لشكاوى المرضى، وحملنا همومهم ووضعناها بين يدى مدير المستشفى للرد عليها.
نقص شديد فى المستلزمات الطبية وكسر فى ماسورة مياه مغذية لوحدة غسيل كلوى منذ أكثر من عام.. وتكييف «العناية المركزة» معطل
أمام غرفة خشبية، مخصصة للزيارة، جلس العشرات من الأهالى يفترشون الأرض، فى انتظار فتح باب الزيارة، حتى يتمكنوا من الاطمئنان على ذويهم، وفى الموعد المقرر، فتح موظف التذاكر الجالس بجوارهم على الرصيف، واضعاً مروحة متهالكة أمامه، ليتدافع الزائرون إلى داخل المستشفى، بعد الاستئذان من أفراد الأمن الإدارى، الذين زادت أعدادهم خلال الفترة الأخيرة، بعد تكرار المشاجرات بين الأهالى والعاملين بالمستشفى نتيجة تكرار حالات الوفيات.
محمد السيد، أحد المترددين على المستشفى، أكد أن حالة المستشفى سيئة للغاية، فلا توجد فيه أدوية ولا أطباء، حيث أصيب أحد أقاربى بتسمم، حملته إلى هنا لإنقاذه، فأعطاه الأطباء أدوية مسكنة وطلبوا منا الخروج، وما هى إلا لحظات، حتى ساءت حالته، ولولا أننا أسرعنا به إلى مستشفى الجامعة فى شبين الكوم، كان من الممكن أن يفارق الحياة. وأضاف الرجل الأربعينى: «كل حاجة بنشتريها من برة المستشفى، سواء شاش أو قطن بندخل المستشفى زى ما يكون ماشيين فى صحرا ومش معقول مركز كبير زى الشهدا يكون ده مستوى المستشفى المسئولة عن العلاج فيه».
صفائح القمامة تنتشر فى أرجاء المستشفى، تمتلئ عن آخرها ببقايا المستلزمات الطبية والأوراق والمناديل وعلب العصائر الفارغة، داخل مبنى مظلم، يفتقد لمنافذ التهوية، على بعد خطوات من حمامات متهالكة لا تصلح للاستخدام الآدمى.
«المدير»: نخدم جميع قرى المركز ولدينا أعلى نسبة إشغالات بالمحافظة ونعانى نقص الإمكانيات الضرورية وعجزاً فى أطباء العظام والمخ والأعصاب
مُحسنة عبدالحميد، سيدة خمسينية، جاءت إلى المستشفى منذ 9 أيام، نتيجة إصابتها بمرض كلوى، تقول إنها فقيرة، ومعاشها لا يتجاوز 800 جنيه، وهو ما يعنى أنها غير قادرة على شراء أى أدوية أو مستلزمات طبية، لذلك لم تجد بديلاً أمامها بعد تعرضها لتعب مفاجئ فى منتصف الليل، سوى المجىء إلى المستشفى التى توهمت -على حد قولها- أنها ستجد العلاج به متوافراً بالمجان.
تضيف «محسنة»: «قعدت على باب الاستقبال يوم بحاله، لحد ما حجزونى، وكل حاجة بعوزها الممرضة بتكتبهالى وتقولى ابعتى حد يجيبهالك من الصيدلية اللى قدام المستشفى، وأنا معاييش فلوس، لولا وقفة واحد ابن حلال معايا بيطل علىّ من وقت للتانى ويشتريلى الحاجة كنت زمانى ميتة».
عرضنا ما رصدناه داخل المستشفى على مصدر مسئول بمديرية الصحة بالمنوفية، طلب عدم ذكر اسمه، فأخبرنا بأن مستشفى الشهداء المركزى حصل على أقل التقييمات من إدارة مكافحة العدوى، وكذلك فى المرور العشوائى من خلال لجان وزارة الصحة، حيث تم رصد أخطاء جسيمة فى طريقة التعامل مع النفايات الخطرة، وبدلاً من أن يقوم فريق مكافحة العدوى بالمستشفى بتجميع أكياس المخلفات الخطرة وإغلاقها بشكل محكم ووضعها بغرفة مغلقة، تركوها للعمال يلقونها خارج الغرفة بين المرضى إلى أن تصل سيارة نقل النفايات إلى المحرقة، ما يعرض المرضى والمترددين على المستشفى وكذلك الفريق الطبى والعاملين لخطر العدوى وتم رصد ذلك بـ«الصوت والصورة». وأضاف المصدر أن المستشفى يعانى من نقص شديد فى المستلزمات الطبية، وتم رصد استخدام جوانتيات عبارة عن أكياس بلاستيكية خفيفة، يتم بيعها فى الأسواق غير مطابقة للمواصفات، بالإضافة إلى حدوث كسر بإحدى مواسير المياه المغذية لوحدة غسيل كلوى منذ أكثر من عام ولم يتم إصلاحها حتى الآن، ولا توفير البديل، وتمت مخاطبة إدارة المستشفى أكثر من مرة وكان الرد: «جارٍ اعتماد المبالغ اللازمة»، ورصدنا أيضاً تعطل أجهزة التكييف بغرفتى عناية مركزة، وجلب المرضى لمراوح على نفقتهم الخاصة.
وتابع المصدر أنه على مدار عام واحد فقط تم تغيير 3 فرق لمكافحة العدوى بالمستشفى، نتيجة نقص المستلزمات وعدم تعاون إدارة المستشفى معهم، وفى كل مرة يتم مخاطبة إدارة المستشفى وإعطاؤهم مهلة، وبعد أن تؤكد إدارة المستشفى بأن «كله تمام وتم حل المشكلة»، تقوم لجان تفتيش بزيارة المستشفى من جديد لتجد نفس المخالفات، وتدهور الحال من سيئ إلى أسوأ، ليتحول المستشفى إلى مصدر للمرض، والأكثر من ذلك، أنه تم رصد مخالفات مالية وإدارية خاصة باعتماد شراء مستلزمات من بنود مخالفة، كل ذلك ساهم فى حصول المستشفى على أسوأ التقييمات من لجان المرور بالوزارة.
وقال الدكتور عبدالمجيد سليم، مدير المستشفى، إن مستشفى الشهداء المركزى به أكبر نسب الإشغالات على مستوى المحافظة حيث يبلغ عدد المترددين على العيادات الخارجية نحو 16 ألفاً شهرياً، والاستقبال 13 ألفاً، وحالات الدخول وحجز المريض تتجاوز الـ700 حالة شهرياً، وتبلغ نسبة الإشغال العامة بالمستشفى 83%، وفى العناية المركزة وصلت 98%، بالإضافة إلى وحدة الغسيل الكلوى التى تخدم 92 مريضاً.
وأكد «سليم» أن المستشفى يفتقد بعض الإمكانيات الضرورية، مثل عدم وجود جهاز أشعة مقطعية، وعجز كبير فى أطباء العظام، وعدم وجود استشارى مخ وأعصاب، وكذلك عدم المقدرة على التعامل مع حالات الحروق، لذا نضطر إلى تحويل كافة الحالات التى تدخل فيها هذه التخصصات إلى مستشفيى شبين الكوم الجامعى والتعليمى، وتحويل حالات المخ والأعصاب لمستشفى ميت خلف.
وأشار «المدير» إلى أن المستشفى كان به مبنى قديم مقام منذ عام 1964، تمت إزالته فى شهر سبتمبر الماضى، وتم نقل الخدمة الطبية بالكامل وكافة الأقسام إلى المبنى الآخر، فأصبح بالمستشفى 161 سريراً فقط بالشهداء، بالإضافة إلى عدد من قرى مركز تلا القريبة من المدينة، لذلك خاطبنا وزارة الصحة لإدراج الإنشاءات فى الخطة الاستثمارية الجديدة، ونأمل إدراجها فى العام المقبل لأن مركز الشهداء يستحق مستشفى عاماً بإمكانيات أفضل، لا يقل فى جودته عن مستشفى الباجور العام.