من حق المرأة المصرية أن تتنفس الحرية الآن، أن تشعر بأن «الكعب العالى» يدق الأرض بثقة وثبات، فلا تهتز خطوتها ولا تضل طريقها، ولا تعرقل طريقها الطويل التيارات السلفية التى عصفت بمصر، وغيّرت ملامح المجتمع.
فى مجتمع بالغ القسوة، ينهش أجساد النساء ويهتك أعراضهن، عقاباً لهن على التظاهر ضد الفاشية الدينية والمطالبة بسقوط حكم المرشد، لم تتردد المرأة فى التصدى حتى لميليشيات الإخوان والرصاص الأعمى.
هل تذكرون الصحفية «رشا عزب» التى ضربت «أحمد المغير» رجل «خيرت الشاطر» ووزير داخلية المرشد؟، هل تذكرون الست «عواطف»، تلك العجوز التى حفر الزمان تجاعيد المعاناة والعوز على وجهها، وتلقت صفعة من إرهابى إخوانى، لكنها لم تضعف، بل شهرت أسلحتها وثقافتها فى وجه الجميع؟. هكذا كانت المعركة قد وصلت بنا!.
مجتمع ظلامى يحاصر النساء، وجماعة إرهابية تطعن الرجال بإهانة النساء، وأحزاب دينية (على رأسها «النور» السلفى)، يطالب نوابها بعودة الختان وتجريد المرأة من كل مكتسباتها القانونية وحقوقها الدستورية والسياسية.
رئيس مدعوم من السماء «مرسى»، ومرشد يغير خريطة البلاد بتوظيف الدين واستغلاله أسوأ استغلال «بديع»، ومنصة لإطلاق فتاوى وأد النساء يقودها «القرضاوى».. وثقافة «ناقصات عقل ودين» تحول الحديث الشريف إلى دليل إدانة تسود، ومكانة المرأة تتراجع فى المجتمع.. وصورتها تبهت وصوتها يختنق بأحبال التأثيم التى تعتبره «عورة»، والنقاب يفرض وجوده على الحياة المدنية ليُكبّل المرأة بفكرة «الفضيلة المزعومة».. إلخ تفاصيل الرعب التى عشناها.
جاءت ثورة 30 يونيو، وظلت الثقافة المجتمعية على حالها، ظلت أحزاب الظلام تُشرّع لنا، ورموز الوهابية تتاجر فينا، دكتور «جابر نصار» يحارب فى «جامعة القاهرة»، والدولة تتوضّأ من أفعاله وتُصلى من أجل أن يحفظ الله «مشيخة الأزهر» قبلة السلفية والوهابية فى مصر.. مناخ خانق للحريات، معادٍ للنساء، كاره لوجود المرأة، لأنها تؤرق غرائزهم، وتفضح هشاشة ما يدّعونه من تدين عفن.
حين اختص الرئيس «عبدالفتاح السيسى» المرأة المصرية ليكون عام 2017 هو عامها، كانت عملية الحصار اكتملت، فمنذ صدر دستور الإخوان، وتم التصويت عليه فى ليلة مظلمة من تاريخ مصر عام 2012، تم إسدال الستار على وجود المرأة فى مراكز صنع القرار، فدستورهم الظلامى استحدث نصاً للإطاحة بالمستشارة «تهانى الجبالى» من منصب نائب رئيس المحكمة الدستورية، بسبب موقفها المناهض لحكم الإخوان. وكان حزب «النور» قد استحدث وضع «وردة» بدلاً من صور المرشحات على قوائم الحزب، لأنها «عورة».. رحل الإخوان بدستورهم، فظهرت لنا فتاوى تُبرر «ثقافة داعش» فى تجارة الرقيق، وخرجت علينا الدكتورة «سعاد صالح»، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، تُفتى بأن: (من حق المحتل أن يغتصب ويستمتع بالنساء «المقهورات» من الشعب المهزوم على يديه)!.. على أساس أننا سنُحقّق المعجزة المستحيلة ونهزم إسرائيل فى زحفنا المقدس!.
أصبح تعريف «الجهاد» فى «الفقه الجديد» هو جهاد النكاح، أو تفكيك الأوطان بالجهاد لاستحلال أعراض النساء واغتصابهن وبيعهن فى سوق النخاسة الجديد.
كيف لامرأة تعيش فى هذا البلد أن تحلم بالصعود إلى مراكز القيادة العليا، إذا كان فى مجلس النواب نائب مثل «إلهامى عجينة»، ورغبته المسعورة فى تأميم المرأة بـ«الختان»، وهوسه بالكشف على «عذرية البنات» عند دخول الجامعة (مهما اعتذر عن مواقفه)، «عجينة» تحرش بالنائبات الفضليات، لأنه رآهن «غير محتشمات»!!.
وهنا جاء قرار القيادة السياسية ليحرر النساء من قبضة «العنف الدينى» وفتاوى الإرهاب، وفتح التاريخ أبوابه ليستقبل المهندسة «نادية أحمد عبده صالح»، التى تولت منصب محافظ البحيرة، لتصبح أول امرأة تتبوأ هذا المنصب، فمنذ أن عرفت مصر النظام المحلى وبداياته مع الاحتلال الفرنسى لم تصل امرأة لهذا المنصب الرفيع، الذى يختلف بالطبع عن وزارات كثيرة نجحت المرأة فى إدارتها.
ورغم ذلك بقى التفسير المغرض لحديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (لن يفلح قوم ولوا أمورهم امرأة).. ظل سيفاً مسلطاً على رقابنا.. رغم أن الرسول كان يقصد الروم بقوله «قوم»، وليس عموم الناس.. وفقاً لتفسير الدكتور «على جمعة»، مفتى مصر السابق.
أبلغ رد من الرئيس «السيسى» على الفاشية الدينية التى تطل برأسها من فترة إلى أخرى، وعلى الخطاب السلفى الذى يقوض حركة المرأة، ويحد من مساحتها ودورها فى المجتمع، كان اختيار المستشارة «رشيدة فتح الله»، عضو المجلس الأعلى لهيئة للنيابة الإدارية، رئيساً لها، خلفا للمستشار على رزق، ورغم أنها لن تستمر فى منصبها سوى 70 يوماً فقط، لبلوغها سن المعاش، فإن الرسالة وصلت.
إنها لطمة على وجوه من أرادوا مصر «دولة دينية»، وسخّروا كل إمكانياتهم لتضليل الشعب وتسميم العقول لتقديم المرأة قرباناً للجهل والتخلف والرجعية.
الآن من حق المرأة أن تتنفس حرية، أن ترفع صوتها دون إحساس بالعار أو الذنب، أن تثبت جدارتها بكل منصب حصلت عليه.. فالحاكم عليه أن يهيئ المناخ ويمهد الطريق بقراراته واختياراته.. لكن تبقى «الفرصة» مرهونة بقدرات المرأة، بتجربتها، وقوتها.. لقد صدر الحكم وعلينا التنفيذ.