كثير من الأمراض ترتع فى حياتنا نحن المصريين، أجد من المفيد أن نتوقف من حين إلى آخر أمام بعضها. من بين هذه الأمراض «عدم احترام الاستقامة». انظر حولك فى عائلتك أو أصدقائك أو محيطك الاجتماعى، سوف تجد من يسير فى الحياة سيراً معوجاً، ومن يخطو فيها بما يتحتم عليه من استقامة، تجد «المعوج» قادراً على حصد المغانم والمكاسب والمناصب والنفوذ، أما المستقيم فـ«محلك سر»، ربما رق الناس لحال الأخير، أو أعجبوا باستقامته أو احترموها (ففاقد الشىء يحترمه عندما يتوافر لدى غيره)، لكنهم عندما ينخرطون فى الواقع فإنك تجد أنهم أكثر تفاعلاً مع المعوج، وأكثر تمنياً لمكانه ومكانته.
أذكرك من جديد بتلك الأكذوبة التى تعشش فى عقولنا وتحملها عبارة «نحن مجتمع متدين»، لو كنا كذلك لاحترمنا الاستقامة ونبذنا الاعوجاج. وصف النص القرآنى نفسه بقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا} (الكهف: 1). فالاستقامة جوهر من جواهر النص القرآنى {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِى لِلَّتِى هِىَ أَقْوَمُ} (الإسراء: 9). والاستقامة هى أصل السلوك، وسمة الارتياح إلى فكرة «الاعوجاج» التى تسود حياتنا، رغم ما ندعيه من وصف لمجتمعنا بـ«التدين»، هى التى تؤدى إلى حالة «اللخبطة» فى سلوكيات البعض. فتجد من يمارس الجشع فى البيع، أو قبول الرشى لتسهيل الأمور، أو الترخص فى الفساد، أو الترحيب بالتخريب، لا يتورع عن الحرص على الصلاة فى المساجد، والحج إلى البيت الحرام، وإتيان العمرة كل عام. كيف يجمع البعض هذا الكم من التناقض بداخلهم.. وما هذا التدين العجيب الذى يمارسه البعض؟
يصل الاعوجاج بالبعض إلى حد التفكير فى إمكانية خداع الخالق، والظن أن بإمكانهم الضحك على السماء بعمليات الغسيل اليومى (فى الصلاة) أو الشهرى (فى الصيام) أو السنوى (فى الحج) كى يتطهروا من آثار اعوجاجهم من تخريب لدنيا الناس.
تعالَ إلى صنف ثانٍ ممن يرحبون بالاعوجاج وينتشون له. انظر على سبيل المثال إلى الفرحة التى تنتاب الإخوان ومشجعيهم عندما يرتفع سعر سلعة، أو عندما يشتكى مواطن من ضغوط معيشية. هؤلاء الذين يفرحون لآلام الناس وأوجاعهم وما يصيب الأوطان من محن أو مشكلات صنف آخر ممن ينطبق عليهم فكرة الترحيب بالاعوجاج. المسلم الحقيقى لا يفرح لمصيبة إنسان أياً كانت عقيدته أو إيمانه أو قناعته. النبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: «ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء». والله تعالى وصف ذاته العلية فى سورة الناس بأنه «رب الناس».. الناس جميعاً.
العاقل من ينتبه إلى ظرفه ويتأمل حاله، ويحاول بكل طاقته أن يفلت من تلك الفئة من البشر الذين وصفهم الله تعالى فى قوله: {الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا} (الأعراف: 45). استهداف الاعوجاج والترحيب به يؤدى إلى تدمير المعيشة، وتسميم الحياة، ناهيك عن تناقضه مع فلسفة ونظرة الإسلام إلى الحياة التى أراد الله تعالى أن تقوم على العدل والإحسان وإيتاء ذى القربى، وأن يبرأ البشر فيها من الفحشاء والمنكر والبغى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْىِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النحل: 90).