عقدت وزارة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج بالتعاون مع المجلس القومى للمرأة مؤتمراً مهماً بعنوان «مصر تستطيع بالتاء المربوطة» حضرت فيه ثلاثون شخصية لسيدات مصريات تفوقن فى بلاد المهجر.
وقد كان المؤتمر نموذجاً جيداً على التعاون بين جهتين رسميتين اجتهدتا فى العمل معاً، فخرج مؤتمر جيد التنظيم يليق بهما وبمصر كلها.
ويعد هذا المؤتمر فرصة ثلاثية الأبعاد؛ فرصة لمصر للاستفادة من خبرات هؤلاء السيدات، وفرصة للسيدات المصريات داخل مصر ليتعلمن الكثير عن قدراتهن التى دائماً ما يتم التشكيك بها.
وفرصة للمسئولين المصريين صناع القرار ليعرفوا أننا نفقد الكثير من الخبرات والثروات البشرية عندما نتجاهل قدرات النساء ولا نعطيهن فرص، ثروات نحن فى أمس الحاجة إليها، ففى الوقت الذى ما زلنا نتحرك فى المكان فى قضايا عدة منها تولى المرأة القضاء بناء على أسس سليمة وقواعد موضوعية تتيح الفرصة للمتفوقات من كلية الحقوق دخول القضاء على قدم المساواة، والاستفادة منهن لإثراء العمل القضائى، وجدنا قاضيات مصريات وصلن لأرفع درجات التقاضى فى أكبر محاكم العالم، وحضرت شابة صغيرة عمرها ستة وعشرون عاماً تعمل مستشاراً لوزارة العدل الهولندية، فى وحدة مكافحة الإرهاب وهو أمر يبدو مفهوماً، إن أرادت هولندا أن تفهم إرهاباً متدثراً بعباءة عربية فليس أفضل من شابة متفوقة عربية، بهذه البساطة، حسابات احتياج الوطن والكفاءة أهم من حسابات رجل وامرأة، أو بدلات السفر أو مجاملات لأى سبب.
فى قضية أخرى طالبت بعض الشابات المصريات فى مصر بشرف خدمة الوطن بالانضمام للقوات المسلحة، قوبل الأمر بكثير من التعجب والتهجم وفى النهاية انتهى بشكر وتقدير الرئيس على نواياهن الطيبة.
فإذا بمؤتمر «مصر تستطيع بالتاء المربوطة» يقدم لنا سيدة مصرية فى الجيش الأسترالى، ليس هذا فحسب وإنما قائدة لسلاح الصواريخ فى أستراليا، وطبعاً لأننا نعيش فى واقع ينكر على المرأة قدراتها ويضرب بإصرار ثقة النساء بأنفسهن، كان فى حضور سيدة محجبة مسلمة فى زى البحرية كقائدة سلاح الصواريخ صدمة حضارية، فانهال عليها وابل من الأسئلة بالنسبة لنا مهمة جداً، من نوعية كيف تكونين امرأة ولديكِ هذا المنصب المهم والحساس؟
هو سؤال منطقى لنا لكنه سطحى وساذج إلى حد البلاهة لها، لأن مثل هذه الأسئلة انتهت، لم يعد لها وجود فى الدول التى تقوم على مفاهيم المواطنة، مثل هذا السؤال فى حد ذاته فى أستراليا وكثير من الدول يعد «جريمة عنصرية».
رد السيدة القائدة كان بسيطاً إلى حد أصاب الكثيرات إما بالخجل من طرح السؤال أو الحسرة على مرار تعيشه المرأة المصرية، قالت السيدة قائدة سلاح الصواريخ: «القصة بدأت لأن لى أخاً أكبر فى سلاح البحرية يسافر كثيراً ويرسل لنا صوراً من كل بلاد الدنيا فرأيت أنها مهنة لطيفة، بها سفر وتنزه، لماذا لا أعمل بها وأتنزه مثله؟ دخلت كلية الهندسة قسم كهرباء والتحقت بالجيش وأى مهندس يدرس كهرباء يستطيع تحريك الصواريخ، اجتهدت وترقيت، وهذا أمر طبيعى حتى أصبحت قائدة سلاح الصواريخ».
إلى هنا انتهت الإجابة، بسيطة، واضحة، لم تتحدث عن التضحية والفداء من أجل الوطن، لم تدّعى أنها حاربت وقدمت تضحيات كبرى للوصول إلى هذه المنصب، لم نسمع هذا الحوار البكائى الذى عادة ما نسمعه من كثير من السيدات الناجحات فى مصر.
لأن الفرق واضح، القضية ليست فى النساء، القضية فى بيئة العمل القائمة على المساواة ودولة القانون، الدرس واضح إذا أردنا أن مصر تستطيع.
فالدرس الأول هو: التأكيد على المساواة والمواطنة، وإعلاء دولة القانون.
عندها فقط مصر تستطيع الاستفادة من كل أبنائها وبناتها، إذا لم يتحقق هذا الدرس، فالدرس الآخر للمرأة المصرية، نعم أنتِ تستطيعين، لكن فى دول المهجر فقط.