أعلم مقدماً أن السطور التالية ستثير غضب «جماعة الإرهاب» التى تبحث دوماً عن فرصة للثأر من «القائد» الذى أوكلته ملايين المواطنين ليقود وطناً يرمم أشلاءه بعد أن ركلتهم أرجل ملايين 30 يونيو خارج «تاريخ مصر».. وسيجد فيها تجار وسماسرة و«نحانيح الثورة» الذين يسمون أنفسهم «النخبة»، الفرصة ليعاودوا الصراخ فى تلك «المغارات المأجورة» التى تضمها بعض «استوديوهات الفضائيات» انتقاداً لكل ولأى شىء بعد أن «احترفوا» شرخ حناجرهم دفاعاً عن «الغلابة والمطحونين» دون أن يقدموا أى رؤية لتحقيق الإصلاح المنشود، أو يطرحوا بديلاً لما جرى دون أن يمس «هؤلاء المطحونين» الذين يحلو لهم التغنى بهم وبمعاناتهم طوال الوقت باعتبارهم «سبوبة» لتحقيق مكاسب مادية وكل ما هو مطلوب منهم أن «تنتفخ» شرايين رقابهم وأن «تجحظ» أعينهم أمام كاميرات الفضائيات دفاعاً عن هؤلاء المهمشين.. وسيخلق منها كل من يرى أن الدفاع عن رئيس خاطر بحياته من أجل شعب ظل سنوات يعانى هو النفاق.. وأن مساندة قواتنا المسلحة هو العار.. وأن تحمل المتاعب الاقتصادية فى سبيل نهضة الوطن هو الرياء.. وأن الانتماء للوطن ليس سوى مجرد شعار أو كلمات أغنية نتغنى بها، المناسبة التى تنعش آمالهم الوهمية فى أن يعود أحدهم ليتصدر المشهد فربما يسبق اسمه «سيادة الرئيس» فى غفلة من الزمن!
نعم القرارات الاقتصادية الأخيرة مؤلمة للبعض.. ونعم سنشهد زيادة أسعار بعض السلع الأخرى.. ولعلنا جميعاً نعلم أن «فاتورة الإصلاح الحقيقى» قاسية لكثير من فئات المجتمع إن لم يكن جميعها -وهو حق واضح- إلا أنها تمثل جداراً صلباً يحول دون إهدار بقية مقدرات الدولة ومواردها تماماً ليكون الانهيار الكامل هو المصير المحتوم لو كان «السيسى» -لا قدر الله- قد مضى فى طريق أسلافه واختار السبيل الأسهل وداوم على الاقتراض وأهدر ما تبقى من مقدرات مصر وثرواتها فى استيراد «الشاى والدخان» وتوفير الأرز والسكر والزيت وضخ المزيد من أموال الدعم لـ«تمويل» الفارق بين سعر البيع والتكلفة الحقيقية والتزم بتلك «الآفة التى ابتلينا بها منذ عشرات السنين»، واستمر فى اقتراض مليارات الدولارات -الذى تحول إلى إدمان لكل من حكم مصر- لتمويل الاستقرار الاجتماعى «الزائف» وهو ما يسمى بـ«الدعم» متمثلاً فى بيع السلع والخدمات للمواطنين بأقل من تكلفتها الحقيقية ودون أن يفرق بين من يستحق أو من لا يستحق له ودون مراعاة لأى مستقبل أو إصلاح وهو ما ذكره اقتصادى لم أشرف بمعرفته إذ لا تجمعنى به أى صلة سوى مجرد معرفة اسمه إيهاب سمرة، ووقتها كانت أكف الملايين ستلتهب من التصفيق وتُشرخ حناجرهم من الهتاف بحياته ويحقق بها «جماهيرية زائفة هشة» سرعان ما تنهار فى أول صدام مستقبلى.. غير أن القائد قد اختار قرارات غير جماهيرية من أجل بدء الإصلاح الاقتصادى الحقيقى فوراً دون انتظار أو تباطؤ ليتفادى تحميل الأجيال المقبلة فاتورة الأخطاء الاقتصادية القاتلة لأنظمة وحكومات عدة كان كل هدفها هو تمرير الفترة التى يظل أعضاؤها جالسين على مقاعدهم بصرف النظر عن نتائجها وهو ما أثر بالفعل على «شعبيته» الجارفة عند بعض «ضيقى الأفق» الذين عادوا مرة أخرى لمحاولتهم خداع المواطنين..!
اقترضنا مليارات الدولارات فى وقت تآمرت علينا الظروف الدولية وتآكلت مواردنا من العملات الأجنبية لنتراجع عن «ثوابتنا الوطنية» ونكتفى بما كنا عليه نأكل ونشرب ونحرق بنزيناً فقط لا غير، ونستدين دون أى تطوير حقيقى لبناء الوطن وإنشاء شبكة من الطرق أقرب إلى طرق العالم المتقدم ودون أن تمتد يدنا إلى إعادة هيكلة اقتصادنا المتهالك، غير أن «القائد» منذ اللحظة الأولى التى خطت فيها قدماه أعتاب القصر الجمهورى -رئيساً خضع لإرادة الملايين- أطلق «الرصاصة» الأولى فى معركة إعادة بناء الوطن واسترداد هيبته التى جرفتها ممارسات غير مسئولة و«غبية» على مدى سنوات طوال.
وإذا كنا جميعاً نشكو من رفع الدعم العينى عن الطاقة وما يتبعه من موجات متلاحقة من ارتفاع أسعار كل شىء من أجل بناء وطننا وإعادة توجيه موارد الدولة لـ«دعم المستحقين بالفعل» هو مجرد خطوة فى طريق إصلاح هيكل اقتصاد تسلمه الرئيس متهالكاً كجزء من أشلاء الدولة التى كانت فى 2013.. وإذا كنا على استعداد تام للتضحية وتحمل نتيجة الإصلاح دون تذمر رغم قسوتها الشديدة وأن نتعامل بإيجابية مع الضغوط فنضبط استهلاكنا ونتقبل تجرع «مرارة الدواء».. فإن الأمر لا يجب أن يقف عندنا نحن فقط بل يجب على الرئيس أن يخرج علينا بـ«بيان» يوضح لنا كامل الحقيقة دون مواربة، ويجب على إدارة الدولة بكامل أجهزتها التنفيذية والرقابية تكثيف حملاتها لمحاصرة «أثرياء الأزمات من التجار الجشعين».. ويجب على رئيس الوزراء وفريقه الوزارى أن يعاملنا على أننا قد بلغنا «الرشد»، وألا يكرر فعلته السابقة ويفاجئنا بقرارات رفع الدعم، مثلما فاجأنا على الرغم من نفى الوزراء المختصين اعتزامهم ذلك صبيحة سريان تلك القرارات، خاصة أننا مقبلون على مرحلة رفع الدعم نهائياً عن كامل الطاقة خلال الثمانية أشهر المقبلة التى تقترب من إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة وهو ما يؤكد أن الله سبحانه وتعالى قد رزقنا بقائد لا يشغل باله بـ«سلطة زائلة أو بجماهيرية هشة»..!
وإذا كان البابا تواضروس قد قال فى مناسبة مغايرة «وطن بلا كنائس أفضل بكثير من كنائس بلا وطن» فإن واقع الحال يؤكد -كما ذكر أحد المواطنين على صفحات التواصل الاجتماعى- أن «إشعال النيران فى أسعار وطن.. أفضل مليارات المرات من إشعال النار فى الوطن ذاته».. ولكِ يا مصر دوماً السلامة.