السياسة ذلك العلم الاجتماعى الإنسانى الفلسفى، فن إدارة الأمور داخلياً وخارجياً والتوفيق بين البلاد والعباد. فن غاية فى الأهمية، من يجيده على مستوى العالم فقد ساد وهيمن وكتب اسمه فى التاريخ بماء من ذهب، ومن أعوزته هذه الموهبة فملكه وإن عظُمَ قد ذهب.
سياسات الدول تتشابه مع سياسات المنازل والمؤسسات والتجمعات الإنسانية، والكيانات الفكرية، الإدارة هى الإدارة، أدواتها واحدة، ومفرداتها متشابهة، تعتمد جميعها على الحكمة والمنطق والعقل والتوافق والتوفيق بين الأمور والأولويات، بين الضرورى والثانوى، وأخيراً وأولاً الأخلاق.
مفتاح السياسة هو الحكمة وبابها هو الصبر، والحكمة والصبر من أخلاق الفلاسفة والمنظرين والعارفين، السياسى الحكيم لا يشترط أن يكون رئيساً لدولة كبرى أو عظمى بل يكفيه أن ينقل بلاده من أزمة، أو أن يصعد بها درجات قليلة، أو أن يوحد بين أرجائها وشعبها ويمحو خلافات أبنائها، أو أن يستحدث مجالاً تنفرد به بلاده دون باقى دول العالم بإنتاج سلعة مميزة أو بتجارة مختلفة أو أن ينهض بمجال معرفى متميز عالمياً، ولنا فى التاريخ والحاضر أمثلة لأسماء شقت صدور مواطنيها حباً واحتراماً قبل أن تشق كتباً للتاريخ عظمة ووجوداً أبدياً، ليتحولوا إلى رموز وشعارات ومدارس بشرية.
السياسة مهارة وذكاء وإرادة وعزم ودهاء وقوه تأثير وكثيرُ تفكير، هى موازنات بميزان حساس دقيق، بدقة مشرط جراح ماهر، وبوضوح رؤية صائغ حاذق. هى فن التكتيك والتحديق، هى لعبة شطرنج بها مغامرة ومقامرة، هى مضمار فروسية يتوافق فيه الفارس مع الفرس، (فإن تنافرا أو اختلفا فى التفكير والتوقيت سقطا وانتهيا أو قاما أعرجين).
هناك نظريات سياسية تتبنى ميكيافيلية الغاية تبرر الوسيلة. أو أن السياسة هى علم اللا أخلاق أو (اللى تكسب به العب به) وهى سياسات تنخرط تحت وصف اللا أخلاق واللا ضمير، فى عرفى الشخصى هى ليست سياسة بل أمراض نفسية وتقيحات فكرية لمرضى نفسيين أو أشرار يشكون من عطب بالروح، وشر بالدماغ ينتهى عادة بهلاكهم ولعنهم.
للسياسة أخلاق والتزامات وأصول على الصعيد الداخلى والخارجى، داخلياً تتجسد أخلاقها بميثاق شرف بين الشعب والحاكم، ميثاق ملتزم بالحقوق والواجبات، فلو أردنا أن يؤدى المواطن ما عليه من واجبات وهو ملتزم راضٍ وقانع ومتحمل لأى ظرف وجب على السياسى أو الحاكم أو القائم على الأمر أن يكون عادلاً، محباً رحيماً عطوفاً، مراقباً جيداً، سليم النفس والوجدان والذهن، يخدم شعبه بمحبة ورأفة، يردع الظالم وينصر المظلوم، بل لا يسمح للظلم بالوقوع أساساً. على الحاكم أو السياسى المسئول أن يبحث عن سعادة ونمو وازدهار شعبه، وعن إزالة جميع معوقات حياتهم، ولو كان بإرشادهم أو رسم الخطط العامة لنجاح ذاك الشعب ورضاه، ورضا الشعوب غاية تدرك وبخطوات بسيطة فكل ما تحتاجه التزام ميثاق الأخلاق بين الطرفين.
السياسات الخارجية كذلك أخلاقها الالتزام والصراحة وحسن الجوار، ومن متنت سياسته الداخلية عضدت سياسته الخارجية وقويت وتشعبت وأصبح وجوده قوياً ذا حيثية.
يستطيع الحاكم أو السياسى بكل سهولة الحكم والسيطرة إن امتلك عقول محكوميه بالمنطق والعقل والحكمة، فيدلف إلى قلوبهم دون خروج أو مساس، السياسى الماهر هو المحب لشعبه بحق وهو من يترجم هذه المحبة ترجمة سريعة وصادقة، ملموسة على أرض الواقع، ولنا فى التاريخ أسوة.
السياسات مختلفة بين دولة وأخرى، وشعب وآخر، وحاكم ومحكوم، وظروف وملابسات، لكن دائماً السياسات الناجحة هى ما تحمل الخير لمواطنيها، والخير من مكارم الأخلاق.
فى النهاية للسياسة أخلاق أولها الصدق والمحبة والنفع والعطاء والبناء الضارب بالأعماق المنقذ للرقاب والأعناق، ومن يحمل هذه الصفات يحصد محبة والتفافاً ودعماً عظيماً. وكما أن النوايا الطيبة يعلمها الله، كذلك الشعوب تستشعر نوايا حكامها. يرحل البشر وتبقى أفعالهم وأعمالهم. وليست الأعمال ما تسجل على المسلات بل ما تحفر بقلوب المواطنين وتنعكس على معيشتهم، فيسجلها الله رضا ورضواناً وتوفيقاً ومن ثم يسطرها التاريخ أخلاقاً.