أكتب مقالى هذا بعد ساعات من الحادث الإرهابى الذى استهدف كمين (البرث) جنوب رفح، أتوقف أمام انحناء المصريين بمختلف أطيافهم وألوانهم أمام مواكب الشهداء، أصوات كثيرة معارضة رأيتها تؤدى فروض الولاء للوطن وتعلن التفافها حول رجال الجيش فى حربهم المقدسة ضد الإرهاب، أنحنى احتراماً لهؤلاء المصريين الذين عظموا شهداءهم رغم اختلافهم سياسياً حول أمر أو آخر.. من وجهة نظرى أعتبرهم معارضين وطنيين وأرى أن معيار الوطنية هو الموقف من الجيش المصرى ومن سائر مؤسسات الدولة فى مواجهتها مع أعدائها، أما الخيانة فهى على العكس تماماً.. كل شامت فى جيش بلده هو خائن.. كل من يتمنى هزيمة جيش بلده هو خائن، كل من يفرح لسقوط شهيد من جيش بلده هو خائن.. كل من يلتزم الصمت ولا يرفع صوته عالياً فى رثاء الشهداء هو بالضرورة أيضاً خائن، كل من يطعن المقاتلين فى ظهورهم وهم على الجبهة خائن، حتى ولو بإطلاق دعابة سمجة وسخيفة عن جيش (الكحك) و(لبن الأطفال).
نحن فى حاجة ماسة إلى إعادة تعريف (الوطنية) ثم إعادة تعريف (المعارضة الوطنية)، وفى ظنى أنه من حق أى مصرى أن يختلف فى الشأن السياسى كما يشاء ما دام يصطف فى صف الوطن حين يسمع نفير الحرب، وفى ظنى أيضاً أن كل من يتخاذل عن نصرة الدولة فى حربها مع الإرهاب ومع من يرعونه لا يستحق أن يحيا فى هذا الوطن ولا أن يحمل جنسيته فضلاً عن أن يوصف بأنه (معارض وطنى).
هذا الالتفاف حول جيش مصر يفتح الباب للمطالبة بجبهة وطنية جديدة ضد الإرهاب على قاعدة الالتفاف حول قواتنا المسلحة فى حربها ضد كل أعداء الدولة المصرية، الحديث عن هذه الجبهة يستدعى الحديث عن الجهود المدنية التى يمكن أن تبذل فى هذه الحرب ضد الإرهاب، ولعل أهم هذه الجهود هو دور الإعلام فى رواية قصص الشهداء وهى قصص تكاد تنطق بالبطولة ولكنها بطولة صامتة، لا أحد يمكن أن يفرض على مسئولى الإعلام فى جيش مصر طريقة عملهم ولكن أين قصص الأبطال والشهداء؟ أثناء تصفحى لصور شهيد الصاعقة العقيد أحمد منسى لفت نظرى صورة قديمة له أثناء التدريب يرتدى فيها (تى - شيرت) مكتوباً عليه أبناء إبراهيم الرفاعى.. «الرفاعى» هو أبوالصاعقة المصرية ومن أبطالها الملهمين لأنه ضحى ورفاقه بحياتهم فداء لمصر.. لولا أن محرراً عسكرياً موهوباً هو جمال الغيطانى سجل بقلمه بطولة «الرفاعى» ورجاله ما اكتسب كل هذه القيمة الرمزية فى تاريخ مصر، إذا انتقلنا من الماضى إلى الحاضر سنجد أن بطولات رجال القوات المسلحة فى سيناء هى فى الأغلب الأعم بطولات صامتة، ومع كل التقدير لدوافع الصمت فإن الرأى العام فى مصر فى حاجة لمن يلهمه وليس أكثر من الشهداء الذين يضحون بأرواحهم قدرة على إلهام المصريين فى هذه اللحظة من تاريخ مصر.