قتل النفس من أبشع الآثام التى يمكن للبشر أن يرتكبوها. كل قطرة دم تنزف من جسد إنسان فتقرّبه من لقاء ربه لعنة على من يريقها.
حساب عسير ينتظر من يترخّص فى إطلاق ناره فى صدر من يؤدى واجبه فى حماية الوطن أو يعيش آمناً تحت سقف الوطن. ليس بعد الدم إثم. الله تعالى يغفر للبشر كل شىء إلا أن يُشرك به، ولست أجد معنى للشرك أبلغ من السمع والطاعة لمن يقول لشخص اقتل، فيحمل سلاحه ويذهب للقتل دون تفكر أو تدبر، ليس هناك شرك أكبر من أن يريق إنسان الدماء الطاهرة، ثم يزعم أنه يفعل ذلك باسم الله، الله تعالى ربط بين الشرك والقتل فى قرآنه الكريم، وجعل القتل نتيجة مباشرة للشرك بالله. تأمل الآية الكريمة التى تقول: «وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ»، الله تعالى لم يبح إهدار دم إنسان إلا فى حالة واحدة، هى حالة القصاص ممن ترخّص فى إهدار دم غيره، وليس ثمّ من حكمة للقصاص فى هذه الحالة إلا حماية الحياة «وَلَكُمْ فِى الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِى الْأَلْبَابِ». فارق كبير بين من يقتل ليحمى الحياة، ومن يقتل لتخريب وتدمير الحياة. هناك حكمة عميقة ترتبط بدفن الشهيد بدمائه وملابسه المطهرة بها، فدم الشهادة أكثر طهراً من الماء، فكيف يتأتى أن يتم غسل وتكفين الشهيد؟. لا بد أن يذهب إلى الله على الحال التى استشهد عليها. فكل قطرة دم لا بد أن تدعى أمام الله على قاتلها، لتحل عليه اللعنة فى الدنيا والآخرة.
دم جديد لجنودنا وضباطنا ارتوت به أرض سيناء أمس الأول، دم جديد يزيد الأرض التى دافع عنها آباؤنا وأجدادنا طهراً. إنه سلسال التضحيات التى دفعها المصريون جيلاً بعد جيل من أجل حماية هذه الأرض المقدسة. دماء كثيرة شربها رمل سيناء، لكن العطش إلى التضحيات لم يزل مستمراً، وكأنه قدر مقدور. غزارة الدماء التى أصبحت جزءاً من حياتنا جراء الإرهاب أصبحت تحمل طهراً، لكنها تحمل أيضاً نذراً. كم عملية إرهابية غادرة نالت من جنودنا وضباطنا ليل الخميس أو فجر الجمعة؟. عمليات كثيرة وقعت فى هذا التوقيت، لتريق دماءً عزيزة. الجمعة فى القرآن الكريم يوم صلاة وعبادة وليس يوم قتل وسفك دماء، إنه يوم أداء شعيرة صلاة نصَّ عليها القرآن الكريم، استثناءً بين كل الصلوات المفروضة، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ». عدم احترام الشعيرة يتناقض مع الإيمان: «ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ». أخمسة كثيرة وجمع أكثر شهدت عمليات إرهابية طال طابور الشهداء الناتج عنها.
الله تعالى قال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ»، لكن القريحة الشعبية تقول «الحذر لا يمنع قدر». فى كل الأحوال الحذر واجب، نعم آلة الإرهاب الغشوم المدعومة من بعض عناصر بالداخل والخارج تتحرك مثل العربة الطائشة، لكننا لا نملك سوى أن نجتهد فى الحذر قدر طاقتنا.. والمكتوب فى النهاية هنشوفه.. رحم الله شهداء الوطن.