الأرق رفيق أحيانا مسل، خاصة عندما يدفعك للبحث عن أفلام مجهولة منها هذا الفيلم، وهو بطولة روبرت دي نيرو، وتقريبا كل أبطال الكوميديا فى أمريكا فى فترة الخمسينات والسيتنات، وهو يحكي عن كوميدي يرفض أداء دور واحد لأنه نجح ويقرر أن يكون نفسه لا الشخصية الناجحة، بكل عيوبه ومميزاته، رغم طلب الكل منه تقليد تلك الشخصية مرات لكنه يرفض دائما فهو نفسه فقط وليس ذلك المفتعل.
دي نيرو يستحق كل الجوائز عن هذا الفيلم فقط، حيث ينتقل بسرعة وبراعة من الانفعالات المختلفة ويلقي النكات بوجه يجمع بين السخط والملل في مزيج عجيب، رغم فشله فى علاقات زوجية متعددة لكنه يحاول الدخول فى علاقة جديدة ينتج عنها حمل بطفلة، ويكون التغيير فى حياته عندما يشتهر له فيديو يرفع عن المشردين فى أحد الملاجئ حيث يقضي ساعات خدمة المجتمع الإلزامية.
هذا الفيلم يطرح إشكالية هامة جدا، هل نخضع لما يريده المجتمع لنا من قولبة وإخفاء لاختلافنا لمجرد رغبة المجتمع، أم نترك أنفسنا لطبيعتنا؟ فنحن كما نحن حقيقة؟ هذا صراع الفيلم، وخصوصا في مشهد اجتماع العديد من أبطال الكوميديا السابقين، الذين قرروا عدم تغيير صورة الناس لهم، وبالتالي اختفوا، ألا يذكرنا هذا بشخصية اللمبي المتكررة في أكثر من فيلم، وأن الناس أحبت هذا القالب لكنها لم تحبه للأبد، فهي رفضته في أفلام أخرى، عندما يصر الممثل على عدم التغيير والاكتفاء بما أحبه الجمهور.
الفيلم رغم أنه صادم حيث يتعامل البطل مع الآخرين بخشونة بالغة تختلف تماما عما نتوقعه، لكنه حقيقي جدا، ففي مشهد مع كبار السن يسخر منهم، ليس بغرض التجريح، لكن لكي يجعلهم يضحكوا على أنفسهم فيستطيعوا الحياة بلا هموم، إنه لا يتعامل معهم كأنهم مرضى بل هم شباب أصحاء، فكيف تحاول جعلهم سعداء وأنت تحاول طول الوقت إخبارهم بقرب انتهاء حياتهم؟
الغريب انتصار الفيلم للروح الفردية على حساب المجتمع، حيث ترجع نجوميته أكثر مما كانت لأنه تصرف بطبيعته، فرفض برنامج واقعي مؤذ، ولم يعرف أن هذا الفيديو سيحقق نسبة المشاهدة العالية تلك.
ربما هو من الأفلام القليلة التي تنتصر للفلسفة الفردية مقابل فلسفة المجتمع.
تابعوا الفيلم واشكروا معي الأرق العزيز.