«مسيرة العدالة» هو عنوان المسيرة الكبيرة التى قام بها الأتراك تنديداً بسياسات «أردوغان»، الرجل الذى حلم ذات يوم بكرسى السلطان العثمانى، وكذا طريقة السلطان العثمانى فى الحكم، تقاطر مئات الألوف من الأتراك ضده. فعل «أردوغان» كل ما يريد بعد الانقلاب الفاشل الذى قام ضده منذ عدة شهور، قتل، وبالغ فى تفكيك شرطته وجيشه، وعصف بالمؤسسة القضائية، حتى المعلمين والمحامين وأساتذة الجامعات طالهم بطشه، لم يكتفِ بذلك، بل امتدت يده إلى الدستور فعدله، حتى يحصل على صلاحيات كانت فى يده فى الأصل. لم يكن «أردوغان» بحاجة إلى تعديل دستور، لكنها الرغبة فى شرعنة سيطرته على الأمور فى بلاد الترك. وظنى أن الرجل بعد تعديل الدستور، أخذ نفساً عميقاً واطمأن إلى أن كل شىء أصبح بين أصابعه، فخلد إلى الراحة والنوم حتى استيقظ على صيحات المطالبين بالعدالة وإيقاف بطشه بالشعب التركى.
المسيرة قادها زعيم المعارضة التركية «كمال أوغلو»، وبدأت من مدينة أنقرة، وتواصلت لمدة 25 يوماً، للاحتجاج على اعتقال أحد النواب من تشكيلته السياسية، الذى حكم عليه بـ25 سنة سجناً، وفى ختام المسيرة التى انضم إليها آلاف الأتراك، قال زعيم المعارضة: «لا يظنن أحد أن هذه المسيرة هى الأخيرة»، مضيفاً: «اليوم.. التاسع من يوليو.. يشكل مرحلة جديدة وولادة جديدة». أظن أن الأمر كذلك، وأن هذا التاريخ سوف يشكل بالفعل نقطة فارقة فى رحلة «أردوغان» السياسية. فلا شىء يوجع شعباً قدر فقدان العدالة، وإحساسه بأن حاكمه ارتدى زى السلطان وأخذ يؤدى بنفس الطريقة التى كان يؤدى بها بنو عثمان.
«أردوغان» لم يستوعب هذه الحقيقة، وبدا مثله كمثل أى إخوانى ينظر إلى شعبه فلا يبصر بين أفراده سوى الجماعة التى ينتمى إليها، ويظن أن بمقدوره الاعتماد عليها فى مواجهة شعبه كاملاً. وحقيقة الأمر فإن أية جماعة مهما كانت قوتها لا تستطيع أن تقف فى مواجهة غضبة شعب. ذلك هو الدرس الذى أظن أن «أردوغان» لن يستوعبه، كان من الممكن أن أراهن على ذلك لو أن الرجل وقف مع نفسه وقفة متأنية يوم أن قام انقلاب عسكرى ضده، وسأل نفسه: لماذا حدث ما حدث؟، الحالم بكرسى السلطنة لم يفعل ذلك، بل انطلق إلى تصوير الأمر على أنه خيانة، وأن من تمردوا عليه من داخل أو من خارج جيشه شرذمة قليلون، يريدون إيقاف مسيرة النهضة التى يقوم بها فى تركيا، وأنهم ممولون من الخارج، ويقف وراءهم عبدالله كولن، أما الشعب التركى الحقيقى فقد نزل ووقف إلى جواره وسانده حتى تمكن من القضاء على المحاولة الشريرة. لم يفهم «أردوغان» لحظتها أن من نزلوا لمساندته هم إخوانه فى الجماعة، وميليشياته العسكرية، وغيرهم من المنتفعين بنظام حكمه.
لا أظن أن التركى «أردوغان» سوف يتعلم شيئاً، كذلك تقول سنن التاريخ، وكذا يشهد أداؤه، كل ما سيفعله أنه سيكيل أجندة الاتهامات المحفوظة، لمن خرجوا للتظاهر ضده فى مسيرة تواصلت 25 يوماً، وسوف يظل كذلك إلى أن تتحطم قناعاته الزائفة على صخرة «العدالة».