يخطئ من يتصور أن هناك رجل أعمال يعمل مجاناً أو لوجه الله والوطن أو يسعى للخسارة، فالمفترض أن هدف المستثمر هو الاستفادة وأنه ينفق جنيهاً ليسترده جنيهين. ويجب على الدولة أن تمكّنه من ذلك لأنها الرابح الأكبر، وتلك هى فلسفة الاستثمار، الإفادة والاستفادة للمستثمر وللدولة. السؤال هنا: إذا كانت مكاسب المستثمر هى مضاعفة أمواله التى توفر له حياة كريمة ومكانة مرموقة فى المجتمع، فما هى إذاً مكاسب الدولة؟ الإجابة بسيطة جداً: مكاسبها أكثر من المستثمر، أهمها التشغيل، فالبطالة وتوفير فرص عمل للمواطنين هى أهم تحدٍّ يواجه حتى الدول الكبرى، ولذلك نجدها تقدم للمستثمرين كل الإغراءات، حيث تمنحهم الأراضى مجاناً، بل قد يتقاضون أموالاً للاستثمار فى المناطق الأكثر احتياجاً وتوفير فرص العمل أو إنتاج سلع استراتيجية كانت تستوردها من الخارج، فدولة بولندا مثلاً تمنح المستثمر فى العاصمة «وارسو» ما يعادل 80 ألف جنيه مصرى عن كل فرصة عمل، ويتضاعف المبلغ فى حالة استثماره خارج العاصمة، أما المغرب الشقيق الذى يسطر حالياً تجربة رائدة فى كل المجالات فإنه يُعفى المستثمر فى المناطق الحرة من الجمارك والضرائب، ويسمح له بتصدير كل منتجاته للخارج فى مقابل توفير فرص العمل.
أحد المستثمرين المصريين يمتلك مصانع سجاد فى أمريكا قال لى إنه اشترى متر الأرض هناك بخمسة دولارات بالمرافق (40 جنيهاً مصرياً قبل التعويم)، وهذه أكبر دولة رأسمالية فى العالم، ولكنها تعلم قيمة الاستثمار الذى يوفر التشغيل وأن الأرض لا قيمة لها بدون استثمارها وتعميرها، كما أن المستثمر لن يحمل الأرض على أكتافه ويهرب بها خارج البلاد. المحزن أن نفس المستثمر المصرى يعانى أشد المعاناة للحصول على أرض فى بلده لتوسيع نشاطه رغم أننا دولة ليس لديها عجز فى الأراضى ولكن لديها كارثة فى الاقتصاد والبطالة.
كل دول العالم تحمل المستثمر المحلى والأجنبى على الرؤوس والأعناق إلا مصر، تتعامل معه على أنه «حرامى» وعليه إثبات العكس، وللأسف ليست هذه نظرة المواطنين فقط، بل معظم أجهزة الدولة وبعض نواب البرلمان والإعلام، وحتى الدراما دائماً تُظهر رجال الأعمال فاسدين ينفقون أموالهم على شهواتهم، وهذا خلق صورة ذهنية سيئة عنهم لدى المواطنين، وهى مؤامرة علينا يساهم فيها الجميع بحسن أو بسوء نية، فالنتيجة واحدة، وهى استمرارنا دولة متخلفة.
الحكومة أصدرت حزمة من التشريعات القانونية التى تهدف إلى تشجيع الاستثمار وإزالة معوقاته، ولكن هذا لا يكفى، لأن القانون وحده لن يغير من نظرة المجتمع ولا سلوك الموظفين تجاه المستثمرين. الموضوع أكبر من القانون ومن وزارة الاستثمار نفسها التى تتبنى حالياً حملة للترويج للاستثمار الذى يُعتبر مسئولية مجتمعية لكل أجهزة الدولة التى يجب عليها أن تسهّل للمستثمر كل الإجراءات وتساعده حتى يربح، وأن تكون هذه مهمتها وعقيدة موظفيها، فحينما يربح المستثمر فإن الخير سوف يستفيد منه الجميع، بما فى ذلك الموظف الذى يسهّل مأمورية المستثمر لأنه ما زال لدينا موظفون يكرهون الخير للمستثمرين ويحقدون عليهم، بل قد يعرقلون مشروعات بالمليارات طالما أنه لن يدخل جيوبهم بضعة جنيهات.
يجب أن يعلم الموظف والمواطن أن التنمية لن تأتى إلا من خلال الاستثمار وأن الدولة لن تستطيع القيام بكل شىء وليس لديها الموارد لذلك، فالأمل كله فى القطاع الخاص. «المستثمر يكسب حتى تكسب الدولة»، يجب أن يكون هدفاً يعمل على تحقيقه الإعلام والفن والثقافة والبرلمان وكل المؤسسات إذا كنا بالفعل نريد اجتياز أزماتنا الاقتصادية الطاحنة.. واللهم احفظ مصر.