للتواصل والحوار مع القراء والاشتباك مع آرائهم سمة مميزة وقبلها حق أصيل لهم، فهو يعكس واقع ما يحدث فى المجتمع بعيداً عن تلك التصريحات والبيانات الرسمية.. إذ إنهم يعبرون عن مشاكلهم بكلماتهم.. ويرسمون ملامح ما يعانون منه وما يرغبون فى تحقيقه بأنفسهم.. وبعيداً عن تلك التعليقات المؤيدة لما حملته ذات المساحة تحت عنوان «السيسى.. جماهيرية زائفة.. أم إصلاح حقيقى».. يوم السبت الماضى! فإلى بعض من تلك «التعليقات» الحادة التى وجهت لها.
وبداية فإن السطور التالية لا تمثل دفاعاً عن قائد خضع لإرادة الملايين واستجاب لدعوتهم له لـ«القيادة وتحمل مسئوليتهم».. كما أنها ليست نفاقاً من جانب الكاتب الذى يكفيه 42 عاماً من العمل بين صفوف أعضاء مهنة اختارت «ضحاياها» بنفسها، وأعتقد أن مثل هذه السنوات تكفى تماماً لتجرف معها بقية «طموح» ربما راوده فى بداية خطواته فى هذه المهنة، فهذه السطور تستهدف توضيح الحقيقة مهما كانت تكلفتها وفق ما يعتقده هو على الأقل وليس بحثاً عن موقع أو منصب، فالوقت المتاح له ربما يكفى فقط لـ«لملمة» أوراقه ليس من المهنة وحدها بل من الحياة ذاتها..!
فى البداية فإن البعض يصر على أن المقال السابق يحاول تبرئة السيسى من الاقتراض من الدول أو مؤسسات التمويل الدولية لينتقد استمرار هذا «الاقتراض»، ويعقد مقارنة بين ما هو عليه الاحتياطى الاستراتيجى من العملات الأجنبية الآن وبين ما كان عليه وقت «مبارك» دون أن يضع فى اعتباره أن «الاقتراض» وقتها كان يوجه لمنافقة جماهير المواطنين ورشوتها فى صورة «دعم لمن يستحق أو لا يستحق» إضافة إلى أنه كان أشبه بـ«أطباق العسل» التى كانت تلتف حولها أسراب «ذباب الفساد».. وهذا ليس معناه أن مثل ذلك الفساد قد انتهى تماماً بل يكفى أن جهوداً واضحة تبذل للقضاء عليه لتُسقط «فاسداً» على الأقل كل يوم.. إضافة إلى أن الاقتراض الآن يوجه إلى إتمام المشروعات القومية لخدمة التنمية الحقيقية وليس إهداراً لمقدرات الوطن.
وبمناسبة المشروعات التنموية فإن البعض وللغرابة ينتقدون ما يرونه إهداراً للمليارات فيها «قناة السويس.. العاصمة الإدارية.. محطات الكهرباء النووية.. شبكات الطرق.. وغيرها» وهنا يسقطون من حساباتهم أن دول العالم عندما تتعرض لكساد اقتصادى تلجأ لمثل هذه المشروعات العملاقة لتحقيق عدة أهداف: خلق فرص عمل فى محاولة لإنهاء البطالة أو التقليل منها على الأقل.. وإتمام البنية التحتية لاستقبال الاستثمارات الأجنبية، فـ«المستثمر» لن ينتظر سنوات إلى حين إتمامها.. إضافة إلى أن سرعة السيارات فى القاهرة على سبيل المثال لا تتجاوز 26 كيلومتراً فى الساعة، ولو دام الحال 3 أو 4 سنوات أخرى ستصبح الشوارع «مسفلتة» بصاج السيارات.. كما أننا جميعاً لا نزال نتذكر معاناتنا من استمرار انقطاع الكهرباء وقت «مرسى الاستبن».. وإذا كان بعض المنتقدين يرى أنه كان من «الأفضل» إعادة فتح المصانع المغلقة ودعمها وإيجاد مجالات للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر فلهم كل الحق غير أن الحكومة أفاقت أخيراً وبدأت بالفعل فى انتهاج هذا الطريق.
الغريب أن فريقاً ثالثاً من المنتقدين يرى أن الإنفاق على تسليح قواتنا المسلحة لا لزوم له «يا ريت تقولى إيه قطع السلاح اللى اشتركت فى الاشتباكات اللى استشهد فيها أغلى ولاد مصر، أبناؤنا رجال القوات المسلحة.. أنا ماشفتش هناك الميسترال ولا الغواصات الألمانية ولا حتى حتة رافال من اللى بكام مليون يورو».. هكذا كتب أحد المعلقين الأفاضل.. وهنا لا أدرى هل حقاً يرى إمكانية إبحار حاملة الطائرات أو الغواصات على رمال سيناء؟!!.. كما أنه يسقط من حساباته أن تهديدات وأطماعاً عديدة تحيط بنا من كل جانب، وأن بقاء قواتنا المسلحة قوية كفيل تماماً بأن تكون درعاً لحماية وطننا من هذه الأطماع».. إضافة إلى أننى لا أدعى «الخبرة العسكرية» فما يجرى على رمال سيناء للقضاء على الإرهاب ليس حرباً لجيوش نظامية بل هو «حرب عصابات» لا تستلزم استخدام مثل تلك الطائرات أو الأسلحة الثقيلة التى تُستخدم فى المعارك الحربية.
فريق آخر يرى أن ما جرى أخيراً من خطوات للإصلاح الاقتصادى أصبحت تتحملها الطبقات الفقيرة والمتوسطة وحدها، فلم لا يطبق حداً أقصى لهذه الضرائب ورفع الأسعار والرسوم والخدمات، وبعدها يمكن رفع أسعار كل شىء دون خوف بعد تحسن الأحوال، لأن للبشر قدرات يجب مراعاتها.. وهم هنا أيضاً لهم كل الحق غير أنه لم يعد لدينا «ترف إهدار الوقت» فى التمهل والانتظار وإلا كان الانهيار التام هو المصير المحتوم.. هذا من جانب ومن جانب آخر كان هناك بديل لرحمة هذه الطبقات بعدة أساليب منها إقرار الضريبة التصاعدية.. وإعفاء مثلاً بنزين 80 والسولار وزيادة سعر بنزين 95 على الأقل بنسبة 50 أو 60% باعتبار أن مستهلكه من بين الطبقات القادرة، خاصة أن نسبة زيادة أسعار 92 قاربت على 40%، إضافة إلى إيجاد آلية حقيقية ووضع تعريف واضح لمن هو «غير القادر ويستحق الدعم بالفعل» وبين غيره..! ولكل من يوجه تعليقاته الغاضبة من وعلى السيسى وكأن الرجل تسلم البلد جنة تنعم بالرفاهية مثل الدول الإسكندنافية أو سويسرا مثلاً، أو مستقرة اقتصادياً بل تسلمها مجرد أشلاء متناثرة لما كانت تسمى دولة، بعد سنوات من التدهور والتخريب والتظاهر والبطالة والسرقة والنهب والقتل.. ولكن ليس معنى ذلك -أياً كانت إنجازات الحكومة الحالية- أنها ناجحة تماماً، فالمؤكد أن قصور الرؤية سمة مميزة فى أدائها!! فلا التحام مع المواطنين ولا مناقشات شفافة وواضحة، فيما اكتفت «الأحزاب السياسية» بصراعها على امتطاء «هياكلها الكرتونية» دون مشاركة حقيقية من جانبها وإعلان رؤيتها لحل مشاكل المواطنين، وهو ما انعكس عليهم فلا يشعرون أن كبار المسئولين قريبون منهم جميعاً ويشاركونهم متاعبهم ويعانون مثلهم ويعملون على تحقيق مصلحتهم!!.. وفى النهاية ليرحم الله شهداءنا.. ولك يا مصر دوماً السلامة.