«الصرامة» هى التوصيف الملائم لموقف الدول العربية الأربع المناهضة للإرهاب، رداً على مبادرة وزير الخارجية الأمريكى تيلرسون بتوقيع مذكرة تفاهم «وهمية» مع قطر تزعم اتفاقها على مكافحة دعم وتمويل الإرهاب، التى قلل وزير خارجيتنا سامح شكرى منها بتأكيده أن «مصر تتمسك بالمطالب التى قدمتها الدول العربية الأربع لقطر»، ورغم ذلك أعتقد أننا فى حاجة إلى قدر أكبر من الشفافية فى تداول المعلومات حول نتائج زيارة تيلرسون للمنطقة ومغادرتها حاملاً معه نسخة المذكرة المزعومة، بعد أن فشل فى إقناع الدول العربية الأربع المناهضة للإرهاب بالانضمام لها.
البادى من المتداول غير الرسمى أن الدول الأربع استندت فى موقفها من المبادرة الأمريكية على مبادئ محددة تستهدف وضع حد للدور القطرى المثير للقلاقل وروح الكراهية والتعصب والإرهاب بالمنطقة ورافضة للحلول المؤقتة، أو كما قال الشيخ عبدالله بن زايد وزير الخارجية الإماراتى إن «محاولة تخفيف التوتر لن تؤدى إلى حل الأمر بل إلى تعقيد المشكلة مستقبلاً»، لكن الشاهد فى المقابل أن الدعم رفيع المستوى والتحركات الدبلوماسية السريعة والتصريحات الرسمية والشخصية من مسئولى دول غربية، سواء فى أمريكا أو بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا، استهدفت كلها إنقاذ قطر من الاتهامات التى تلاحقها فى سياق تقليل حجم الخسائر المنتظرة بسياسات «تقليص دور العميل والمهام المكلف بها» دون القضاء عليه.
لا يغيب عن أحد أن قطر أضعف وأصغر وأقل قدرة من ممارسة دور راعى الإرهاب فى منطقتنا وغيرها من مناطق العالم المختلفة، والشواهد كلها تؤكد أنها عملت كوكيل صغير الحجم تم تكليفه بمهام مخابراتية لإشاعة الفوضى فى مناطق محددة من خلال أنشطة وعمليات مستترة لتقديم الدعم اللوجيستى لجماعات الإرهاب، لذلك ليس مستغرباً أن تكون الدوحة هى العاصمة العربية الوحيدة ضمن مجموعة عواصم مشتبكة مع الأحداث بالمنطقة ولا يصيبها أى ضرر من الإرهاب، بل لا نسمع عن أى عمليات إرهابية على أراضيها حتى ولو كانت عمليات ساذجة و«هبلة»، المؤكد أن خارطة تنظيمات الإرهاب والعمليات الإرهابية والقوى الداعمة لها أشبه بخيوط عنكبوتية تتداخل وتتقاطع فيها المصالح وأحياناً تتشابك فيها قرارات المؤسسات داخل الدولة الواحدة، بما يثير الارتباك فى قراءة المشهد أو تفسير إجراء أو قرار أو خطوة لأى من الأطراف المشتبكة، وهى كثيرة جداً، ولذلك تبدو خريطة المشهد الآن أكثر تعقيداً مما سبق بعد مذكرة الدول الأربع لإمارة قطر، التى من الواضح أنها أربكت صناع القرار فى عواصم كبرى بدت فى تضارب التعليقات عليها داخل الدولة الواحدة، كما أنها غرست عناصر جديدة بصورة مفاجئة فى ملف العمليات الإرهابية، ما تم حتى الآن ضربة للدبلوماسية الأمريكية أعتقد أنها كانت غير متوقعة من جانبهم، والمشهد لا يحتاج إلى المزيد من التعقيدات، لأن محاولات إطالة أمد الخلاف لن تحقق أهداف الدول المكافحة للإرهاب فى محاولاتها لإعادة الهدوء للمنطقة ومحاصرة منابع دعم وتمويل الإرهاب، نحن أمام انتهازية سياسية فريدة من نوعها تزعم أنها تكافح الإرهاب لكنها تسعى فى الوقت ذاته إلى عدم القضاء المبرم على أدواته، ربما من أجل استخدام ما يتبقى منها فى مراحل لاحقة لحماية المصالح الغربية واستمرار الضغط على الدول الوطنية الرئيسية بالمنطقة، أعتقد أننا نحتاج إلى المزيد من التدابير على الأرض فى اتجاه الحشد والتصعيد ضد قطر إقليمياً ودولياً بما يتيح قطع الطريق على محاولات تمييع المبادرة العربية لمكافحة دعم وتمويل الإرهاب وإفشال أول موقف عربى عملى يعترف بأخطاء الماضى وتحديداً فى ملف دعم الإرهاب.