أخطر ما فى حادث طعن السياح فى الغردقة أنه يبدو بسيطاً للغاية، إرهابى استولت على عقله فكرة فقرر أن ينفذها على أرض الواقع.. فى أدبيات الإرهاب يسمى أمثال هذا الشاب بـ(الذئاب المنفردة) والمقصود هو كل إرهابى يتحرك بمفرده بعيداً عن التنظيم، ذئاب الإرهاب المنفردة لا تشبه الذئاب العادية فى الوحشية والتعطش للافتراس فقط.. لكنها أيضاً تشبهها فى الوحدة، والسير بعيداً عن القطيع.
يعتنق ذئاب الإرهاب المنفردون أفكارهم عبر مؤثرات مختلفة منها شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعى، وربما دروس بعض الدعاة التكفيريين أو كتبهم.. تحتل الأفكار التكفيرية رؤوس الذئاب فيسعون للتواصل مع أولئك الأقدم منهم، وقد ينجحون فى هذا أحياناً وقد لا تسمح الظروف فى أحيان أخرى، ويوجههم قادتهم قائلين كونوا ذئاباً منفردة.. والمعنى هنا أن يتحرك الإرهابى بمفرده بعيداً عن التنظيم، وأن يحدد ضحاياه بنفسه، وأن يخطط لعمليته بمفرده، ثم يسعى لتنفيذها وفق إمكانياته الذاتية.. ولعل شيئاً من هذا كله قد جرى فى حادث الغردقة يوم الجمعة الماضى.
وعلى عكس ما يعتقد البعض، ومن وجهة نظرى المتواضعة فإنه كلما كان هناك تنظيم كبير وراء الحادث الإرهابى فإن علينا أن نطمئن.. فأى تنظيم من شأنه أن ينكشف بمجرد الوصول لعضو من أعضائه، وبمجرد وقوع عملية واحدة من العمليات التى كان يخطط لارتكابها.. وقد رأينا نماذج مختلفة لسقوط التنظيمات كان آخرها سقوط تنظيم تفجير الكنائس.
على أن أخطر ما فى ظاهرة (الذئاب المنفردة) أنها تكشف عن تقصير المؤسسات المعنية بصياغة الوجدان فى مصر، كما أنها تكشف عن حالة فراغ ثقافى ودينى هائل تجعل بعضاً من الشبان الباحثين عن معنى، والباحثين عن قضية، يقعون ضحية للأفكار الإرهابية المتداولة عبر وسائل التواصل الاجتماعى ثم يتحولون إلى آلات للقتل تنطلق فى شوارعنا، دون سجل إجرامى سابق، ودون ماضٍ يمكن رصده فى الاتصال بالعناصر والكيانات الإرهابية.
والمعنى أنه إذا كانت مواجهة التنظيمات والشبكات الإرهابية مسئولية وزارة الداخلية فى المقام الأول، فإن العبء الأكبر فى مواجهة ظاهرة الذئاب المنفردة يقع على مؤسسات مثل وزارة الثقافة، والأزهر الشريف، والأوقاف، ووسائل الإعلام المختلفة، وغيرها من أدوات صناعة وجدان المصريين.. والحقيقة أن صوت هذه المؤسسات فى المعركة على الإرهاب يبدو خافتاً، وأداءها يبدو باهتاً. والحقيقة أيضاً أننا لا نسمع لها صوتاً لا فى معركة مواجهة الإرهاب ولا حتى فى الدفاع عن نفسها فى مواجهة الاتهامات بالتقصير والتخاذل، وهى اتهامات ارتفع صوتها مؤخراً بعد أن أدرك الجميع أن هناك شيئاً خاطئاً.
ولا بد أن أعترف أننى أشعر بالخذلان فى أعقاب كل عملية إرهابية سواء كانت كبيرة أو صغيرة، حين لا أجد شيخ الأزهر فى مقدمة من يخاطبون المصريين ويدينون الإرهاب ويشدون من أزر أسر الضحايا ويرفعون من الروح المعنوية للمصريين عموماً ولا يعنى هذا أننى أشكك فى موقف فضيلة شيخ الأزهر من الإرهاب، فالرجل موقفه معروف وقاطع، ولكننى أقول إن أداءه على المستوى الشخصى والإعلامى أقل مما ينتظر منه فى معركة مثل معركتنا مع الإرهاب وهى بكل تأكيد معركة وجود.
ولعل شيئاً من هذا الخذلان أيضاً أشعر به إزاء أداء وزارة الثقافة التى يرأسها صديق وزميل كبير هو الكاتب حلمى النمنم، الذى أشعر أن جهوده -وهو كاتب مستقل- فى محاربة الإرهاب كانت أكبر من جهوده حالياً وهو يترأس وزارة لها هيئات تابعة تضم مئات المقرات والمسارح وقصور الثقافة وآلاف الموظفين، إننى حتى الآن لا أعرف لماذا لم تعقد وزارة الثقافة مؤتمراً واحداً عن التصدى للإرهاب، أو عن دور الفن والثقافة فى التصدى للإرهاب، وليس الهدف بالطبع أن نعقد مؤتمراً لمجرد عقد المؤتمر، ولكن أن نقول إن هناك أطيافاً وجهات وفئات واسعة فى هذا المجتمع تعادى الإرهاب، وأن المعركة ليست بين الإرهابى والجنود والضباط الذين يستهدف الإرهاب كمائنهم، ولكن بينهم وبين المجتمع المصرى كله، وفى هذا الإطار فإننى أدعو وزير الثقافة إلى اتخاذ قرار سريع بإعادة طبع أهم عشرين كتاباًَ تصدت للإرهاب والأفكار الإرهابية (بما فيها كتابات «النمنم» نفسه)وإتاحتها للمصريين بأسعار زهيدة، وأدعو مجلس الوزراء والجهات المعنية إلى توفير الاعتمادات اللازمة، حيث إن مواجهة الإرهاب لا تكون بالأسلحة ولا بالتجهيزات التقنية فقط.