تمر الرحلة التنموية للدول بمحطات وعلامات فارقة يؤرخ أهل التنمية والعارفين بأهميتها لما قبلها من أسباب وتحديات وما بعدها من نتائج وأثر تنموى مستدام. والحقيقة، فإن المتابع لمشاريع «الميكنة» و«الرقمنة» «والتحول الإلكترونى» الحكومى المصرى، ومبادرات البناء والتحديث لقواعد البيانات المرتبطة بخدمات المواطنين، والراصد بدقة للمحاولات العديدة التى انطلقت، ولم تكتمل ضمن خطط الدولة خلال الأعوام 2003 و2007 و2008 وصولاً إلى محطة الإنجاز فى 2016، ونتائج تلك الجهود فى حصاد 2017، سيدرك أن ما تم الإعلان عنه مؤخّراً من إتمام مشروع التسجيل اللحظى للمواليد والوفيات، يعد محطة مهمة فى مسيرة رؤية مصر 2030، لتكون منطلقاتها وقائع وأرقاماً آنيّة محدّثة وليست انطباعات وتصريحات قادمة.
يُعدّ إتمام مشروع (ميكنة) نحو (4500) مكتب صحة على مستوى الدولة حلقة مهمة ومحورية من حلقات العمل المؤسسى، الذى يؤسس لمصر الجديدة برؤية قائمة على المعرفة، ترتقى بجودة حياة المصريين وتتعامل بفاعلية مع أدوات الثورة الصناعية الرابعة، لتكون كل قواعد البيانات متكاملة لدعم اتخاذ القرارات التنموية على مستوى الدولة ومحافظاتها وبشكل منهجى على مدار الساعة ضمن المنظومة القومية لجودة الخدمات الحكومية.
ولأن البصمة التنموية لن تكون مؤثرة وفاعلة فى حياة المواطن ما لم تكن متكاملة وشاملة وغير مرتبطة بأفراد وقيادات حكومية، ولكن ضمن نهج قومى مؤسسى ذى مسارات واضحة ومحل التزام من كل شركاء الوطن، فإن هذا الإنجاز يستدعى ثلاث وقفات أساسية:
أولاها: يجب أن نشيد بجهود وزارتى التخطيط والمتابعة والإصلاح الإدارى والصحة والسكان لأنهما حوّلتا معاً الإرادة المشتركة إلى نموذج يحتذى به فى إدارة تكاملية بلا «شو إعلامى» مع التركيز على تحقيق نتائج يتلمّس أثرها مُواطن يستحق خدمات حكومية جيدة بلا وسطاء.
ثانيتها: ألم يأن الأوان لباقى الوزارات أن تحذو حذو وزارة الصحة بدلاً من أن ترتعد فرائصها كلما اقتربت مواكب الميكنة والرقمنة والربط الإلكترونى من جزرها المنعزلة فى غياهب الروتين وغياب الشفافية، وضبابية الإجراءات، لتقوقعها فى فكر مسبق خاطئ بأن الميكنة والربط الإلكترونى سوف يقتص من حصانتها ومكانتها التى اكتسبتها على مدار عقود، وهى تستمتع بمعاناة المواطن.
ثالثتها: فى مصر المحروسة، يحارب بعض المنتفعين كل سعى للتغيير وخفض نسبة تدخل العنصر البشرى بحرصهم على استمرار الاقتصاد السرى الموازى، ولهذا تحتاج وزارة التخطيط إلى «إلزاميّة» نشر الوعى الرقمى والفكر الإلكترونى وصولاً إلى التطبيقات الذكية الحكومية وتشجيع وتأهيل وتمكين كل المعنيين بتقديم الخدمات الحكومية الإلكترونية بشكل أسرع وأكثر فاعلية واستدامة، كما يتعين على مجلس الوزراء إقرار «حتمية» إتمام التحوّل الإلكترونى لكل الوزارات والجهات الحكومية فى مدى زمنى محدد باليوم والساعة، ليكون أحد أهم معايير تقييم الأداء الوزارى والقيادى؛ ما سيسهم فى تعزيز مركز مصر فى التنافسية العالمية فى المؤشرات المرتبطة بكفاءة الخدمات الحكومية، ولهذا فنحن لا نعجب من دولة الإمارات حين منح نائب رئيسها مهلة زمنية لا تزيد على 24 شهراً لكل وزير لينتهى من تحويل خدمات وزارته إلكترونياً وتكاملياً مع الوزارات الأخرى وإلا سيكون الجزاء «حفل توديع» يعلن فشله فى التحوّل!! والآن وصلت نسبة التحول الذكى إلى 96% فى 41 جهة وزارية تقدم 237 خدمة حكومية رئيسية، جعلت الإمارات فى مكانة ريادية فى سلم التنافسية.
نحلم بأن يكون العام 2018 عام التحوّل الإلكترونى فى خدمات المواطنين، لنصل معاً بالقطار إلى محطة آمنة وواعدة بنهاية 2020. فهل نحن حالمون واقعيون، أم واهمون؟!