«أبوسمبل»: مستشفى تكاملى وحيد بطاقة «وحدة صحية»
الإهمال يضرب المستشفى التكاملى بالمركز
25 ألف نسمة أو يزيدون، يعيشون فى أقصى أطراف محافظة أسوان، لا يجدون لـ«الصحة» سبيلاً، حيث «مركز أبوسمبل»، فقد بلغت المسافة بينهم وبين أقرب مستشفى لهم، فى وسط أسوان، نحو 300 كيلومتر، يقطعها المريض إما فى عربة خاصة تكلفه أموالاً كثيرة، وإما فى مواصلات عادية توفر له بعض النقود، فهم يعيشون فى مركز كامل لا يوجد به سوى مستشفى تكاملى وحيد، لا يقدم لهم سوى الإسعافات الأولية وطب الأسرة، حسب ما قال مديره نفسه، ليعيش مرضى «أبوسمبل» فى معاناة كبيرة، لا سيما أولئك الذين كتب عليهم التردد الدائم على المستشفيات نتيجة إصابتهم بأمراض مزمنة. سعد خليل، 53 عاماً، أحد مرضى الكلى فى مركز أبوسمبل، يعانى الأمرّين منذ أربعة أعوام مضت فى جلسة الغسيل التى يكررها 3 مرات فى الأسبوع، حيث لا توجد وحدة غسيل كلوى بالمركز، وبالتالى لا يكون أمامه، وغيره من مرضى الكلى، سوى الذهاب إلى مستشفى التأمين الصحى بأسوان: «باخد أربع ساعات رايح وزيهم راجع، ده غير الأربع ساعات اللى بقعدهم هناك»، أمور كلها كانت حملاً زائداً على «سعد» إلى جانب مرضه، ورغم شكواهم لم يوفروا لهم سوى سيارة إسعاف تنقلهم من وإلى أسوان وقت الجلسة، وهو ما لم يخفف الكثير عنه: «الطريق طويل جداً، وأنا بغسل 3 أيام فى الأسبوع، وعشان أروح هناك فى معاد الجلسة بخرج من البيت الساعة 4 الفجر وممكن أرجع بعد العشا». معاناة أخرى تبدأ مع «سعيد» بمجرد العودة إلى بيته بعد انتهاء جلسة الغسيل الكلوى، يسردها قائلاً: «بعد جلسة الغسيل أى واحد جسمه بيكون تاعبه جداً، ولو أنا هستحمل تعب جسمى وانا رايح أغسل مبقدرش أستحمل وانا راجع من كتر الألم اللى بحس بيه، وطبعاً عقبال ما برجع البيت من كتر التعب يا دوب باخد اليوم اللى بين الجلستين نايم على السرير مبتحركش ولا بقدر أعمل حاجة عقبال ما أروح أغسل تانى». صورة أخرى من صور معاناة سكان «أبوسمبل»، عاشها الخمسينى «مبروك محجوب»، نتيجة عدم وجود مستشفى مركزى أو عام بالمركز، حيث فقد طفله فى عملية «ختان» لم يكن يحمل لها هماً قبل ذلك: «رُحت بيه لدكتور الجراحة فى المستشفى الدولى اللى عندنا، كان تانى يوم العيد، عملنا التحاليل اللازمة وكان كويس، ولما الولد خرج لقيته غرقان دم، ولما سألت الدكتور قال لى عادى وهيتحسن بكره»، ساعات النهار انقضت وما زال طفل «مبروك» ينزف دماً، ما جعله يذهب به مرة أخرى إلى ذلك الطبيب الذى لم يختلف رد فعله عن ذى قبل: «قال لى دى حاجة عادية ومفيهاش مشكلة»، ليعود إليه فى اليوم التالى بالمشكلة ذاتها، ليرى الأب ارتباكاً ظاهراً على وجه الطبيب، حسب ما قال، ليطمئنه ببعض كلمات أخرى، ويعيد الكَرة مرة أخرى فى الليل، ليأخذ الطبيب هذه المرة رد فعل مختلفاً بعدما رأى شحوب وجه الطفل: «طلّع معدات العمليات تانى وخيط له غرزتين»، ليسأله الوالد فى غضب إذا ما كان طفله فى حاجة إلى نقل دم: «قال لى الرضع مبياخدوش دم ولا محاليل».
المركز يبعد عن أسوان 300 كيلو.. و«سعد»: «باغسل 3 أيام.. وعشان أوصل فى ميعاد الجلسة باخرج 4 الفجر وأرجع بعد العشا»
لم يطمئن «مبروك» لكلام الطبيب، ليعود إلى البيت ويحادث بعض أطباء يعرفهم ليؤكدوا له أن الطفل قد يحتاج إلى نقل دم، وأنه عليه الذهاب به إلى أسوان لوضعة فى حضانة وعمل اللازم: «خدت 3 ساعات من هنا لأسوان، وعقبال ما دخل الحضانة كان خلاص بينازع وفارق الحياة»، جملة قالها «مبروك» بنبرة حزينة ينعى بها فقدان طفله، ليختم حديثه قائلاً: «أنا مؤمن بقضاء الله، بس اللى نفسى فيه إن محدش تانى يشوف اللى أنا شُفته».
ويقول «يسرى جمال»، ثلاثينى من سكان «أبوسمبل»، أن هناك أزمة صحية كبيرة يعيشها المركز نتيجة عدم وجود مستشفى مركزى به، حيث لا يوجد سوى المستشفى التكاملى، الذى لا يقوم بدوره، حسب ما قال، ومستشفى آخر استثمارى، فاقد للعناصر البشرية: «الصحة فى المركز عندنا صفر، لدرجة إن فيه واحدة عندنا مرة ولدت طفل وكان محتاج حضانة وعشان مفيش فنى يعرف يشغل حضانة المستشفى الاستثمارى الطفل مات، ونفس الكلام فى كل قسم فيه، وحتى المستشفى التكاملى اللى هو بتاع الغلابة مفيهوش أى حد غير دكتور واحد جلدية وشغال كل الأقسام ومعاه طبيب أسنان، ومن بعد الساعة 1 بيقلبها عيادة خاصة ليه يشغلها لحسابه، بالرغم من إنه مفروض بيخدم 17 قرية وحى، فيهم حوالى 25 ألف نسمة، ووصل بينا الحال إن لو الواحد عنده صداع بينزل أسوان دلوقتى»، شكاوى متكررة تقدم بها «يسرى» ومجموعة من شباب المركز للعديد من الجهات إلا أن جميعها لم تسفر عن شىء: «الرد بيكون إن شاء الله هنحل ومفيش حاجة بتحصل».
من جانبه، قال الدكتور يونس عبدالله، مدير مستشفى التكامل فى «أبوسمبل»، إنه يعانى من نقص شديد فى كل شىء، سواء العناصر البشرية أو الأجهزة، فضلاً عن نقص الأدوية والمستلزمات الذى طال السرنجات والقطن والشاش، حسب قوله، الأمر الذى حول المستشفى عن دوره المنوط به: «المستشفى التكاملى ده مسمى لكن نتيجة لعجز الأطباء وعجز الإمكانات بقى شغلنا زى وحدة طب الأسرة مش أكتر، وبقينا نستقبل بس الحالات البسيطة وأى حالات صعبة بنحولها للمستشفى الدولى اللى جنبنا وهو لو عنده نقص فى الإمكانيات بيبعت على أسوان».