لا بأس أن تسعى الدولة إلى حماية هيبتها، بل من الواجب عليها ذلك، لكن علينا ابتداءً أن نحدد المقصود بهيبة الدولة. الدولة لها مفهومها الخاص لموضوع الهيبة، فتحدده فى احترام القوانين والقرارات التى تتخذها وانصياع المواطن لها، وعدم الدخول فى أية مهاترات معها عند التنفيذ. هذا كلام صحيح، لكن الحكومة لا تستوعب أن عليها -بدورها- أن تحترم حقوق المواطن، كآلية من آليات حماية الهيبة، وأن تطبق هى الأخرى القوانين والقرارات على الجميع بشكل عادل، وأن تحترم الوثائق والمستندات التى تمنح الحقوق لأصحابها طبقاً للقانون.
منذ عدة أشهر والحكومة تنفذ توجيهاً باستعادة أراضى الدولة المنهوبة، أعلن المحافظون استرداد العديد من الأراضى، أغلبها يقع فى نطاق «العشوائيات»، وهى تلك الأراضى التى يلجأ إليها المواطن فاقد المأوى ليبنى فيها عشة أو حجرة يبيت فيها. فى كل الأحوال على المواطن أن يمتثل للقانون، فهذه الأرض ليست حقه، ولكن كيف له أن يفعل وهو لم يسمع إلا عن بضعة أسماء لبعض نجوم المال والأعمال والمتنفذين تم استرداد أراضٍ استولوا عليها؟. الحكومة الحالية تعلم أن عمليات الاستيلاء على أراضى الدولة كانت على أشدها خلال فترة حكم «مبارك» واستوزار محمد إبراهيم سليمان فى «الإسكان». ليس بمقدور الحكومة أن تحقق مفهوم «هيبة الدولة» وهى تكيل بمكيالين، فتترك القوى يرتع فوق آلاف الأفدنة، وتقيم القانون على الضعيف. مواطنون كثيرون يتحدثون عن الأراضى الشاسعة والمترامية التى تمتد على طول طريق القاهرة - الإسكندرية ويسألون: ألا تقع بعض من هذه المساحات ضمن أملاك الدولة المنهوبة؟.
من المهم أيضاً حتى تتحقق هيبة الدولة أن توفر للمواطن بديلاً إذا كان فاقد المأوى، حتى تبطل أية ذريعة تتحدث عن الإلقاء بالناس فى الشارع، أو غصب أملاك مواطنين يزعمون أن لديهم عقود ملكية، هناك آلاف على سبيل المثال يقطنون فى جزيرة الوراق، أين سيذهبون؟، الدولة تقول إنهم يعيشون فوق أراضٍ مملوكة لها، حسناً، ولكنهم أيضاً رعايا هذه الدولة، ومواطنون ينتمون إلى أرض جمهورية مصر العربية، وهناك التزام أدبى يفرض على الدولة تفهم مشكلتهم، وتوفر لهم البديل، ثم تدعوهم بشكل كريم إلى الانتقال إلى المكان الجديد، ومن حقها أن تنفذ القانون بعد ذلك على من لا يمتثل له. أما الاعتماد على معادلة أن المواطن يحل مشاكله بنفسه بعيداً عن الدولة، فلن يجدى شيئاً، وسوف يؤدى إلى تآكل هيبة الدولة.
جزء من هيبة الدولة يتحقق أيضاً عندما تحترم الحكومة عقل المواطن، من حق المواطن أن يفهم، وليس من اللائق أن تنظر الحكومة إلى مواطنيها وكأنهم قطع شطرنج تحركها على رقعة الأرض كما تريد. فيديوهات كثيرة تحدث فيها أهالى الوراق وزعموا فيها أن هناك نية مبيتة لمنح الأرض التى يعيشون فوقها لرجال أعمال محددين، لماذا لا ترد الحكومة بصراحة وشفافية وتوضح الأمر دون مواربة أو مراوغة، وتفيد الرأى العام بمعلومات دقيقة حول ما يحدث؛ حماية لهيبتها؟. هيبة الدولة أساسها احترام المواطن والتعامل مع الجميع بأعلى درجات العدل والمساواة.. الهيبة معنى، وليست لفظاً!.