أتذكر هجوماً إخوانياً من بعض الشباب على شخصى المتواضع تحت عنوان: «العلمانى المتنكر» بعد نشر مقال لى فى جريدة «الشروق» فى 15 سبتمبر 2011 بعنوان: «لا أنجح الله حزبك أو مرشحك» لأننى كنت، ولا أزال، أرفض استغلال دور العبادة فى الدعاية الانتخابية لما فى ذلك من مخاطر على الدين نفسه. لذا قلت آنذاك: «أقترح أن نتفق بشكل جماعى، استجابة لصوت العقل والشرع معاً وكمحاولة لتجنيب مساجدنا أن تكون ساحة لصراعاتنا الحزبية، عدم استغلال المساجد والكنائس فى الدعاية الانتخابية لأى حزب أو مرشح بذواتهم. وهنا تظل دور العبادة ساحة للتداول فى الشئون العامة (مثل ترسيخ مفاهيم الأخوة فى الدين، الإخلاص فى العمل، شروط الحاكم الصالح، أهمية المشاركة فى الحياة العامة والتصويت فى الانتخابات)، دونما تحديد التصويت لأى حزب أو مرشح، لأن (المساجد لم تبنَ لهذا) كما أفهم». ثم ختمت هذا المقال بالعبارة التالية: «ولكل من يحاول أن يستغل دور العبادة للدعاية الانتخابية، أحسبه بحاجة أن يراجع ما قاله الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهل يمكن أن يجد من يقول له: «لا أربح الله تجارتك، ولا رد عليك ضالتك، ولا أنجح لك حزبك أو مرشحك».
وكنت آنذاك مهتماً بأن أوضح مواقفى لمن يسىء فهمها، وهى عادة سخيفة أقلعت عنها الآن، حتى وجدت أحد قيادات «الجماعة» يتحدث معى فى هذا الأمر بعدها بعدة أيام. وبعدما استمعت لحواره ووجدته يتفق معى على أن الكثيرين يسيئون استخدام المساجد وأن العقول ليست بالنضج الذى يمكن معه أن تناقش الأمور الحزبية دون أن يقعوا فى الفتنة التى تضر بالدين داخل دور العبادة. ومع ذلك أوضح أنهم سيظلون يستخدمونها، على مخاطرها، إلى أن يقوى «الإعلام الإسلامى» لأنها أداة «الجماعة» الرئيسية منذ مؤسسها حسن البنا. ومع الأسف كان الحوار مع الرجل محبطاً من زاوية أنه كأنه يقول «اللى تغلب به العب به»، لذا قلت له: «إذن أنتم إخوان أكثر منكم مسلمون». وكان سؤاله لماذا؟ قلت لأنكم إذا حدث تعارض بين تعاليم الإسلام ومصلحة المسلمين من ناحية وتقاليد «الجماعة» ومصلحة أعضائها من ناحية أخرى فأنتم تغلبون أو تخترعون الاجتهاد الفقهى الذى يغلب مصلحة «الجماعة». إذن أرجوكم لا تلصقوا صفة «الإسلام» بـ«الجماعة» قولوا فقط «إخوان» لأنكم بالفعل «إخوان» ولكننى لست متأكداً من التزامكم تعاليم الإسلام حين يتعلق الأمر بالصراع على السلطة.
تذكرت هذا الحوار، وقد غاب عنى لفترة، وأنا أحاول أن أفهم، لماذا لا تعترف «الجماعة» بأنها أخطأت وأن دماء أبنائها ومحبيها ودماء المصريين جميعاً أحب إليها وأثمن عندها من ملك الدنيا وملكوتها؟ هل هو الإسلام أم هى الدنيا؟
ما هذه النزعة الدموية التى أراها أمامى؟ هل اكتشفنا فجأة أن عدد المصريين أكثر كثيراً من قدرة الأرض المصرية على استيعابهم فقررنا أن يقتل بعضنا بعضاً لتخفيض العدد؟
هل قررنا أن نتبنى استراتيجية فؤاد نجم القائمة على مقولة: «هتقولى الفقرا ومشاكلهم، دى حاجة عايزة التفانين، وأنا رأيى نحلها ربانى ونموت كل الجعانين، وبهذا ما حدش هيجوع أبداً أبداً، لو نعمل هذا المشروع، طبعاً طبعاً؟». هل هناك من يصدق بحق أن الدكتور مرسى وحلفاءه يستحقون أن يموت من أجلهم أى أحد؟ هل هم بالفعل حاملون لرايات الإسلام بعد هذا الكم من الوعود التى أخلفوها والأكاذيب التى افتعلوها؟
لماذا هذا الكم من الأحاديث المكذوبة التى ينسبها المنتسبون للإخوان لآخرين بمن فيهم كاتب هذه السطور؟
هل تدافع عن الإسلام بالخروج على تعاليمه؟ تعد الناس بأنك ستفعل كذا وكذا وتتنكر مما وعدت به وتقول لنا إنك تحكم بالإسلام؟ أى إسلام هذا الذى تدعيه؟ ولماذا يموت شباب من أجل من لا يلتزم تعاليم الإسلام؟ هل هم «إخوان» أكثر من كونهم «مسلمين» يدافعون عن «الجماعة» ويهلكون أنفسهم بأيديهم من أجلها، أم إن الأمور اختلطت لدرجة أنهم يظنون أن «الجماعة» تساوى الإسلام؟
راجعوا أنفسكم قبل أن تفقدوا كل شىء.
حزنى شديد على من يتحدثون باسم الإسلام وهم ليسوا أهلاً للانتساب له. غفر الله لهذه النفوس الزكية، ورحمة الله على الشهداء، وشفى الله المصابين، وعفا الله عن المخطئين. آمين