ليس لأنه رمز للحملة التى انطلقت تشوه كل ما جرى من ثورة يوليو ورجالها وليس جمال عبدالناصر وحده.. ولكن لأن الفيلم يحمل من الأكاذيب أكثر من الحقائق، كما أن الفيلم الذى وظفه الإخوان لمصلحتهم وبشكل لم يسبق له مثيل كأنه هدية من السماء جاءتهم أو للدقة قدمتها الدولة لهم وقتئذ فى منتصف سبعينات القرن الماضى على طبق من ذهب!
فالتحقيقات نفسها أثبتت أن جهاز المخابرات العامة لم يتولَّ التحقيق فى قضية الإخوان عام 1965، الشهيرة بتنظيم سيد قطب.. بل عرض الأمر على صلاح نصر وردَّ بأن الأمر يخالف عمل المخابرات العامة المهتمة أساساً بنشاط الأجانب ضد مصر.. وكما جاء فى مسلسل «الجماعة» وهو صحيح أن معلومات المباحث العامة «الأمن الوطنى حالياً» كانت أقل من المعلومات التى قدمها التنظيم الطليعى، وكانت معلوماته أدق، فتم تكليف شمس بدران بتأسيس شعبة الأمن الجنائى العسكرى، وتسليمه ملف التحقيق بأول خيوط التنظيم!
القصة الحقيقية تقول، وروايتها ضرورية لأسباب سنذكرها فى السطور المقبلة، إن أعضاء التنظيم الطليعى، وهو التنظيم الشعبى السرى الذى أسسته الدولة، أكدوا فى عدد من تقاريرهم من أكثر من محافظة فى وقت واحد أنهم يلاحظون نشاطاً غير مفهوم لعدد من أعضاء جماعة «الإخوان»، وبالقبض على أحدهم وفتح التحقيق معه سأله المحقق عن أسماء أسرته.. استخدم المحقق لفظ الأسرة بالعربية الفصحى.. وتسببت هذه الصدفة فى إنقاذ مصر كلها.. إذ أجاب عضو الإخوان بأسماء أسرته فى التنظيم السرى، إذ إن الإخوان لا يستخدمون لفظ «الخلية» أو «المجموعة» كغيرهم من التنظيمات، وكان القدر وحده سبباً فى أن تضع الدولة يدها على أول الخيط!
عندما تسلم شمس بدران أمر التنظيم عرف من التحقيقات الأولى ممن تم ضبطهم أن التنظيم كبير وأنه يمتلك الأسلحة والمتفجرات، والأخطر أن لديه خطة كاملة لإغراق مصر فى الفوضى للانقضاض على السلطة والحكم.. شمس بدران نفسه يعترف فى حوار مهم مع مجلة الحوادث اللبنانية عام 1974 بعد خروجه من السجن الذى دخله مع رجال المشير عامر عقب نكسة 67 أنه بإمكانه أن يبرئ نفسه ويقول إنه كان ينفذ الأوامر.. لكنه فى الحقيقة كان فى سباق مع الزمن.. إما أن نسبقهم ونعتقلهم وننقذ مصر أو يسبقونا ويحرقوها.. ومن هنا جاء التعذيب للحصول على الاعترافات بأسرع ما يمكن، لأن لكل ثانية قيمتها!
وبالتالى لم يكن التعذيب فى هذه القضية تحديداً لسادية أصابت الضباط والجنود ولم يكن انتقاماً وإذلالاً لا معنى له للإخوان.. وإنما سباق مع الثوانى لإنقاذ مصر.. والمفارقة أنه فى العام نفسه عام 74 أنتج فيلم الكرنك! وفى العام الذى يليه.. وما بعده من أعوام صدر لزينب الغزالى كتابها الذى يستحق نوبل فى أدب الأكاذيب «أيام من حياتى»، وصدر لجابر رزق كتابه المشابه له «مذابح الإخوان فى سجون ناصر»، وصدر لأحمد رائف، صاحب دار الزهراء للنشر، ويقال إنها بتمويل خليجى، كتابه «البوابة السوداء»، ولأن كتاب زينب الغزالى هو الأصل فى هذه السلسلة فإن الفضيحة الأساسية له جاءت من الإخوان أنفسهم!! إذ يروى يوسف ندا.. وهو يضحك إلى حد الاستلقاء على ظهره.. أنه هو المؤلف الحقيقى للكتاب وليس زينب الغزالى، بل هى نفسها كانت تندهش من المبالغات فيه وتسأله: هل الناس ستصدق هذا الكلام؟ فيقول: المصريون عاطفيون وسيصدقون!!
الاعترافات رواها يوسف ندا، صاحب التنظيم الدولى والأمين على أموال الإخوان لأبوالعلا ماضى.. ونقلها عنهما الإخوانى السابق هيثم أبوزيد وقد حضر اللقاء الذى تسبب فى مراجعاته كلها!!
باقى كتب الإخوان كذلك.. لكن كانوا يكذبون، بينما مجموعة من السينمائيين أرادت أن تنافق السلطة فى تشويه فترة الحكم السابقة فخدمت الإخوان وساعدت على تصديق أكاذيبهم، فالمصريون يقرأون كتب الإخوان التى نشروها بكثافة فى مجلاتهم التى سمحت السلطة لهم بإصدارها وهى «الدعوة»، و«الاعتصام»، و«المختار الإسلامى»، ومعها وحولها شرائط الشيخ كشك ودروسه ودروس الإخوان فى مساجدهم وزواياهم، وفى الوقت نفسه يرون فى التليفزيون ما يدعوهم لتصديق ذلك!
للأمانة.. كان من حسنات صفوت الشريف القليلة منعه للفيلم.. لكنه تسرب إلى فضائيات أخرى بل وحفظه الناس عن ظهر قلب.. والآن ونحن نحتفل بذكرى الثورة الأم.. 23 يوليو المجيدة.. وذكراها هو العيد القومى لمصر.. آن الأوان لرد الاعتبار لها ولرجالها.. ولزعيمها ومؤسساتها.. والحرق الذى نقصده حرق رمزى يشير إلى الاعتراف بالخطأ.. ليس علينا إلا تصحيح أخطاء الماضى وقد وقعت بفعل صراعات وخلافات سياسية لكنها كانت على حساب الحقيقة.. بل وعلى حساب مصر كلها!