١ - ربما كانت المرة الأولى التى أقابل فيها أحد هؤلاء العباقرة الذين يحصلون على المراكز الأولى فى ذلك الماراثون القاسى الذى يدعى بالثانوية العامة.. ولكن القدر قد شاء أن يحالفنى الحظ أخيراً لأقابل أحدهم..
الأمر حدث منذ خمسة أعوام تقريباً.. كان الفتى الصغير الذى حصل على المركز الأول فى امتحانات ذلك العام ضيفاً على إحدى الفضائيات فى اليوم الذى استضافنى فيه نفس البرنامج..!
كان همى الأول أن أراقبه طوال الوقت.. كيف يبدو هؤلاء الشباب؟.. كيف يتصرفون.. والأهم من ذلك.. كيف يتعاملون مع كل هذا القدر من الاهتمام الذى يحيط بهم عقب تحقيقهم ذلك النجاح، وهم لم يتجاوزوا السادسة عشرة من عمرهم بعد؟!
هل يدرك أننى أراقبه؟.. بل هل يعرف أن الجميع يحاول استكشافه كما أفعل؟
الأمر ليس سهلاً على نفسية ذلك «الطفل» بكل تأكيد..
٢- اهتمام إعلامى مكثف -ربما أكثر من اللازم- بتلك الفتاة التى تفوقت على أقرانها، وحصلت على مركز متقدم فى امتحانات الثانوية العامة لهذا العام، على الرغم من ظروفها الاجتماعية والمادية الصعبة..
العديد من البرامج التليفزيونية.. والأكثر من التغطية الإعلامية من الصحف والمواقع للفتاة التى حصلت على الثانوية العامة بتفوق من داخل «جراج»، كما صرحت الفتاة نفسها!!
أسئلة كثيرة تدور بذهنى، وأنا أراقب ما يحدث لها.. أولها وأهمها كيف سينعكس كل ما يحدث لتلك الفتاة على نفسيتها؟.. هل تدرك ما تصرح به؟ وتأثيره عليها فى المستقبل؟!
الأمر يستحق الكثير من التقدير والإعجاب بكل تأكيد.. ولكننى أشفق عليها حقاً!
٣- يقول خبراء علم النفس إن الأضواء الإعلامية فى عمر مبكر تؤدى إلى خلق شعور سلبى لدى الأطفال الذين لم تنضج شخصياتهم بعد.. لأنها غير مهيأة للتعامل مع الأضواء والشهرة واتخاذ القرار.. إذ ستتداخل مراحل حياته، وسيتخذ القرارات التى لا تناسب سنّه، فضلاً عن أنه سيتعرض لظروف غير التى يتعرض لها الطفل العادى. هل تفهم ما أعنيه؟.. فذلك الطفل المعرض للأضواء ينبغى عليه أن يظل مثالياً أكثر من اللازم.. أن يفكر فى كل تصرف يفعله حتى وإن كان بسيطاً!
الأمر يبدو واضحاً بصورة أكبر لدى هؤلاء الأطفال الذين يحترفون مجال التمثيل فى سن مبكرة.. فيعانى الكثير منهم من أمراض نفسية فى سن الشباب.. كما يلجأ الكثيرون منهم لجذب الانتباه بوسائل ربما تكون غير مقبولة، حين يصلون لعمر يفقدهم ما كانوا يقدمونه من براءة وهم أطفال!
٤- ربما كان إيجابياً أن يسلط الإعلام الضوء على نموذج كتلك الفتاة.. بل أعتقد أنه ضرورى أن يعرف البعض أن هناك من يخرج من قلب المحن ليصنع نجاحاً يصعب على من توافرت له ظروف أفضل بكثير أن يحققه.. إنه نوع من التغطية الإعلامية المطلوبة حقاً.. ولكن -وكأى أمر يخضع لناموس الكون- ما يزيد على حده ينقلب إلى النقيض!
لا أعتقد أن الاهتمام الزائد بقصة الفتاة وتفاصيل حياتها الخاصة كان ضرورياً.. لا أعتقد أن تصريحاتها التى تناولتها الصحف والمواقع والبرامج التليفزيونية كان ينبغى أن يتم إبرازها بهذا الشكل.. لأننى وببساطة.. لا أعتقد أن المتفوقة الشابة تملك من نضج الشخصية.. ورزانة التقدير أن تعى ما تصرح به للإعلام بعد!
٥- أعرف أن ذلك الرأى ربما يصدم الكثيرين.. ولكنه يحمل الكثير من الحقيقة إن أردنا إنصافاً..
تصريحات الفتاة الشابة أنها تفخر بوالدها بسيط الحال الذى رباها وعلمها تحمل الكثير من المثالية التى ستفتقدها الفتاة نفسها مع أول احتكاك بالمجتمع!
لن تواجه الفتاة الشابة من يحتفى بها ويقدرها على طول الخط.. ستجد بالتأكيد من ينظر إليها نظرة أرستقراطية فجة.. وأنها «مش من مستواهم»..
ستجد من يتعامل معها على أنها ابنة «بواب» كما صرحت.. وكما تفخر هى فى كل لقاءاتها التليفزيونية..!
ستندم تلك الفتاة أنها أفرجت عن حياتها الخاصة أكثر من اللازم.. ستعانى فى الأغلب كثيراً خلال حياتها بسبب كل تلك الأضواء التى أحاطت بها وهى ما زالت طفلة لم تتجاوز السادسة عشرة!
سيندم الإعلام أنه تدخل فى حياة تلك الفتاة.. بل ربما سنندم جميعاً.. إن فقدنا عبقرية صغيرة فى ظل تلك الضغوط النفسية التى صنعناها حولها!